الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

ْْْ أعيادكم نور ْْْْ


أيها الأحبة الكرام ... " كل عام وأنتم بخير "
بمناسبة عيد الأضحى المبارك ..
وجعل الله أيامكم كلها أعياد ...
لكم كل الحب والود والتقدير

خالد

ملاحظة : نقبل العيدية

الأحد، 15 نوفمبر 2009

آخر الأغنيات .. أول الاخضرار


{ إلى روح هزّاع السعدي }

- الصوت –
قَايَضْتَ هذي الرِّيحَ بالكلماتِ
فَاخْلُدْ شَاعِراً كَتَبَ القَصيدةَ في جَناحِ الحُبِّ
وَاهْمسْ للنّدى :
" أَنا مِنْ نَقاءِ الفَجْرِ جِئْتُ مُحَمَّلاً بِقصيدتي "
لا نُورَ يَكْتُبُ هَذهِ الأَصْداءَ
هَلْ تَكْفيكَ كُلُّ دَفَاتِرِ العُشَّاقِ كَيْ تَهَبَ الغِيابَ طُفُولةً
لَوَّنْتَ كُلَّ حدائِقِ المَسْرى
وَكُنْتَ بِسَطْرِها اللحْنَ المُسافِرَ
كُنْتَ أَحْلامَ الغَريبِ إلى ابْتداءِ حِكايةٍ أُوْلى
وَعُدْتَ بِلَوْنِكَ الرَّمْليِّ تَغْرسُ زَهْرَةً في الماءِ ،
نَخْلَةَ هَذهِ الأَيامِ ،
رِحْلةَ طَائرٍ ألْقى تَفاصِيلَ الغُروبِ لِأَمْسِهِ .
والأمْسُ يَنْحِتُ في بَراويزِ الطُّفولَةِ نَقْشَهُ :
يَا طَائِرَ المنْفى الأَخيرِ
تَعالَ أَوْقِدْ شَمْعتي
غَنَّتْكَ أَسْرابُ اليمامِ
فَمَنْ يُلوِّنُ ضِحْكَتي

وَتَزَاحَمَتْ طُرُقٌ بِنا
فَأَتَيْتُ أَسْأَلُ خطْوَتي
كَانَتْ هُنالِكَ رِحْلَةٌ
تَاهَتْ بِكفِّ الرِّحْلَةِ

وَبِدَايَةٌ مَا قُلْتُها
إِلّا وَضَجَّتْ .. تَمَّتِ .

وَلَكَ المدى
حَلِّقْ بِكُلِّ الحُبِّ
حَيْثُ مَسافَة الأَحْلامِ تَنْسجُ خَيْطَها
وَلنا الحكاياتُ البَعيدةُ سوفَ نَرويها حِكايةَ عَاشِقٍ
أَهْدى المساءَ ضَياءَه
وَلَنا الحُروفُ بِصَمْتِها
وَلَنا ارْتِحالُ الغيْمِ في صَلَواتِ هَذي الأَرْضِ
وَالغَيْثُ المُعَلَّقُ بَيْنَ أَدْعيةِ البُكاءِ البِكْرِ
وَالجَدْبِ المُعَانِقِ حُزْنهُ
وَلَكَ الخُلُودُ بِشُرْفَةِ الأَيَّامِ
حَلِّقْ طَائراً وَهَبَ القَصِيدَةَ حُلْمَهُ
وَمَضَى لِيُدْهِشَهُ السُّكُونْ .

- الصدى –
لِيْ أَنْ أُعانِقَ صَمْتِيَ المَنْثُورَ / ضِحْكَةَ شَاعِرٍ
لِيْ سَطْرُ حَرْفِيَ وَابْتِداءُ قَصِيدَتِيْ
وَحِكايَةُ الكَلِمَاتِ لِيْ .
خَلَّفْتُ أَحْلامِيْ بِبابِ وُقُوفِكُمْ
غَنَّيْتُ لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ شَوَاهِدَ الظَّمْأَى
هُنَاْ ..
يَا أَيَّها الرَّمْلُ الذي اسْتَجْدَيْتَ كُلَّ سَحَابَةٍ
قَدْ جِئْتُ ؛
مِحْرابِي الضِّياءُ ،
وَزَوْرَقِي الذّكْرى ،
وَأَوْراقِيْ جَوازَ عُبُوريَ الأَزَلِيِّ نَحْوَ مَدينةٍ
تَهَبُ الخُلُودَ تِلاوَةً أُخْرى وَتُلْبِسُهُ الخُلُودْ .
أَنا ذَلكَ الفَجْرُ الذي كَتَبَ اخْضِرارَ الصَّمْتِ
بَيْنَ قَصَائِديْ وَحِكايةِ الحُبِّ الأَخِيرةِ
لِيْ دَفَاتِرُ كُلِّ هَذا الحُبِّ ،
لِيْ هذا المَطَرْ .

لِيْ رِحْلَتانِ .. نَسِيتُ دَرْبَ كِلَيْهِما ..
وَالشَّارِعُ المَجْنُونُ
حَطَّمَ خطْوَتِي .

لَوْ لَمْ تَكُنْ لِيْ يا غِيابُ
فَمَنْ تُرَى ؟
سَيُذِيبُ فِي أُفقِ الحِكايَةِ دَمْعَتي .

أَسْتَقْرِئُ الحُبَّ الأَخِيرَ ، رَمَيْتُهُ ..
عُرْيَ انْزِواءٍ في كُفُوفِ المِحْنَةِ .

وَأَنا وَهَذِيْ الرِّيحُ فِي كَفِّ المَدى ..
لَحْنانِ قَدْ حَلا بِذاتِ الرَّقْصَةِ .


- الصمت -
وَمُسافِرٌ غَنِّى لِيَ الأَشْعارَ
مَا عَزَفَ الرَّبابَةَ لَحْظَةً ،
كَيْفَ احْتَوَتْهُ تِلاوَةُ السَّفَرِ المُقَيَّدِ بِالغِيابْ ؟
لِيْ لَوَّنَ الذِّكْرى مَزَامِيراً ، وَلِيْ
سَيَحِيكُ أُحْجِيَةَ السَّرابْ
تَرَكَ الحَقائِبَ ، لَمْ تَزَلْ
تَبْكِيْهِ أَرْصِفَةُ الإِيابْ
..
..
.
نَامَتْ حَكايا الشِّعْرِ لمَّا أَنْ
غَفَا حُلْمُ السَّحَابْ

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

ثقافة القلم .. وثقافة القدم


نحن أمام حدث تاريخي مهم في سلطنة عمان ؛ وذلك حين يلتقي منتخبنا الوطني مع المنتخب البرازيلي الشهر القادم ، وهذا بحد ذاته فرصة للمدمنين على مشاهدة كرة القدم لمتابعة لقاء سامبا العالم وسامبا الخليج ، وفرصة لمحبي نادي برشلونة لمشاهدة لاعبهم " داني ألفيس " على الطبيعة وربما إن أمكن الحصول على توقيعه أو قميصه ، وكذلك محبي ريال مدريد الملكي هي فرصة لمشاهدة لاعبهم الجديد " كاكا " ولاعبهم السابق " روبينهو " وربما التصوير معهما إذا أمكن .

وبعيدا عما يمكن الاستفادة منه من لقاء البرازيل – فنيا - !!!!!!!!! ، وبعيدا عن المليون والنصف التي سيدفعها الاتحاد العماني نظير لقائه بالسامبا ، وبعيدا عن الفوارق الكروية بين لاعبي المنتخبين والتي هي بعيدة بعد السماء عن الأرض ، وبعيدا عن فارق المراكز في التصنيف العالمي ، إلا أن هذا اللقاء فرصة لإثبات اللاعبين لأنفسهم ، والتقديم سمعة جيدة لمنتخب بلادهم والخروج بصورة مشرفة ، وليس الهدف فقط تسجيل مباراة البرازيل في كشوفات الفيفا ، ومن ثم الخروج بشباك ممتلئة كرات لا نستطيع إحصاءها .

البرازيل .. صاحبة ثقافة خاصة في كرة القدم واسألوا : " بيليه " و " زاجالو " و " روماريو " و " رونالدو " وغيرهم من الأجيال التي لعبت كرة القدم ، والبرازيل من الدول الكبرى المصدرة للبن في العالم ، كما تعد ذات اقتصاد قوي حيث تصنف العاشر في قائمة الدول حسب دخلها السنوي ، وليس هذا فقط في تملك سجلا جيدا للثقافة العالمية ، فالموسيقار " فيلا لوبوس " قد ساهم في تطور الموسيقى البرازيلية تطورا كبيرا – هذا ما تقوله محركات البحث عنه - ، ولكن ما أعرفه عن أدباء البرازيل أكثر من الموسيقى فشيخ الكتاب البرازيلييين " جورج أمادو " صاحب رواية " زروبا البرازيلي " والتي ترجمها للعربية الراحل " ممدوح عدوان " يعد من كتاب البرازيل والعالم ، ولا يجب أن ننسى أيضا الروائي والمسرحي " باولو كويليو " صاحب الرواية العالمية الرائعة الخيميائي . فالبرازيل إلى جانب ثقافة القدم التي تمتلكها فهي تمتلك أيضا ثقافة القلم . ولا ضير إذا اجتمعت الثقافتان لتشكل وحدة قومية كبرى ، وهذا ما قرأناه عن " باولو كويليو " حيث أن البرازيل استعانت بكاتبها الكبير ليحمل ملفها في استضافة البرازيل لكأس العالم 2014 ، وهذا بحد ذاته اعتراف بأن ثقافة القلم في البرازيل لها دورها بل وربما تفوق ثقافة القدم التي يعيش عليها أكثر البرازيليين .

الشواهد كثيرة في مجتمعاتنا العربية على إهمال دور القلم وصاحبه ، والتركيز على جوانب أخرى ، ثقافة الأقدام في مجتمعاتنا العربية تفوق أي ثقافة أخرى ، ولكم أن تمروا مدارسنا لتعرفوا طلابنا عمن يتحدثون ، وعن أسماء اللاعبين الذين نسيتهم في غمرة الحياة أو الذين لم أعرفهم أصلا ، هذا خلاف أنك إذا أردت أن تعرف نتيجة مباراة في الدوري الإسباني والتي أقيمت في ساعة متأخرة البارحة فاسأل أحد الطلاب وهو سيجيبك عنها . أو اسأل أي امرأة عن الدوري القطري أو الإماراتي أو السعودي الذي يلعب له لاعبو منتخبنا ، وكم هدفا سجل عماد أو حديد هذا الأسبوع ، ولكن لا تسأل أحدا عن كتاب صدر مؤخرا لكاتب عماني أو مجموعة شعرية . ثقافة القدم هذه ستظهر قريبا تجد المدرجات مكتظة وقيمة التذكرة بين 5 – 10 ريالات ، وكذلك ثقافة القلم أيضا ظهرت مرات ومرات عندما لا نجد من يدخل - مجانا - إلى أمسية أدبية أو ندوة ثقافية .

وكما نفتخر بأبناء بلدنا الرياضيين يجب علينا أيضا أن نفتخر بأدبائنا ، الذين نقلوا شموع فكرهم وسطروها على أديم الورق ، هم الذين يرفعون قيمة ثقافتنا عاليا .. أقصد ثقافة الأقلام وهي التي تبقى .

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

رســائل ( 1 )



عذرا أبا العلاء .. فقد نقضتُ عهدَكَ مرتين .. يوم أن أعلنتُ التوبةَ عن آرائك ومعتقداتك التي كانت لي سكنا .. ويوم وأدتُ الحرية في داخلي وأعلنتُ خضوعي لها !!

كنتَ ترى ما لا يراه سواك .. علمتَ أنه لا علاقة معنوية بين السحاب والأرض سوى أن يضل أحدهما الطريق فيلتقي بالأخر .. أدركتَ جيدا معنى الظلمة فنسجتَ منها نورا لا ينتهي ...


نسينا أن الظلمةَ أطهرُ عاشقِ يمكن أن نختليَ به .. فشددنا رحالنا نبتغي جليساً نمدُّ له ألحانَ مودتنا .. هل العزاء لنا في هذه الغربة .. أم لكّ في مكانتك هناك ؟! حيث الخلود الأبدي .. حيث الأحلام تتطاير معلنة نزهتها في روضات معشبة ...

والآن نمضي نعلن صراحتنا تجاه واقع مرير .. نحاول التمرد على كل جميل .. لكن الطيور الزرقاء قد لا تطير هذه المرة .. ربما الأفق أصبح ملبّداً بما لا تشتهي .. والمغيب تحرسه عنقاء تمتد بين يمينه ويساره .. تكاد تحجب كل نسمة أمل قد تنتهي بانتهاء يومنا المثخن بالجراح ...

أبا العلاء ..
تناسينا أن الصباحَ يتلوهُ مساء .. والمساءُ يتلوهُ صباح .. وبينهما شاطئ يستعدُ للرحيلِ بعد أن حزم حقائبه البربرية .. وأفضى بكل سرٍّ لحبات رملهِ .. هل قيدتكَ الكلمات يا سيدي حتى عشقتَها .. ونسجتَ منها قلادةً خزفيةً لرؤاكَ .. أراكَ الآن تجلس على أنغام قيثارتكَ تردد : " لا فرق بين أنثى جميلة .. وشيطانٍ أعمى " .. أراكَ تخطُّ بتشاؤمكَ الأرضَ فيورق من وطأته كل ما بداخلها .. ولمستَ الوجعَ فانبجستْ منه اثنتا عشرة أمنيةً ..
هناك تنادي عليك كل المراكب التي تغنّتْ بها السبل .. تقترب من عالمك الفقير .. تحاول أن ترتشف من لعناته .. وتغني للفجر في أمسيته الأخيرة .. كيف مُتَّ وأنتَ تجلس بقرب النبع .. كم نحتاجكَ الآن .. نحتاج رهانك على الحياة .. نحتاج شرفة من شرفاتك لتحط عليها أنغامنا الثكلى ...


هل يكفي أن نقول " عذرا " ؟! وعن ماذا تعتذر أقلامنا ؟!
صلواتُ الشعر تدنستْ وأصبحتْ كالأعمى الذي تقوده عصاهُ المتعبة .. والحبُّ ذلك الكائن الخرافي أصبحت الريحُ تذروه في مكان سحيق .. والظلمة تخلت عن سجينها الواقف بين أغصانها ..
.
.
.
فإلى أين نمضي ؟!

السبت، 10 أكتوبر 2009

عزف على نافذة أميرة أندلسية



( 1 )
هُمَا لَوْحَتانِ ويَشْدو الرَّبِيعُ
فَأَيُّ الفُصُولِ يُثيرُ الحمامَ المُسافِرَ
بَيْنَ الغُرُوبِ وبَيْنَ الغِيابِ ؟!
أَعَيْناكِ نَبْعٌ مِنَ اللَّازَوَرْدِ
فَمُدِّي الحَقِيقَةَ فِي كُلِّ سَهْلٍ ..
سَتُولَدُ كُلُّ الحَكايا التي أَثْقَلَتْكِ حَنيناً
أَأَنْتِ زَرَعْتِ النُّجُومَ لِحُلْمٍ ،
وَقُلْتِ : " كَأَنّيْ أَرانِيْ أُعَلِّقُ صُبْحاً "
وَهَذيْ الغُيُومُ تَحِنُّ لِنايٍ أَخِيرٍ
فَمُذْ كَانَتِ الرُّوْحُ تَهْفُو لِعَيْنَيْكِ
أَشْعَلْتُ بِئْرَ الحَكايا
وَأَنْتِ بِبابِ المَسافةِ أَلَّهْتِ صَمْتَكِ حِيْناً
وَحِيْناً تُديرينَ لَحْناً تُغَنّيهِ كُلُّ الجِهاتِ
وَحِيْناً تَنامُ الفُصُولُ وَتُوقِظُ فِيكِ الوُرُودَ
وَسِرْبَ الهَدِيلِ
وَشُبَّاكُكِ البَحْرُ
نَادى بِغرْناطَةٍ أَنْ أَفِيقيْ
فَكُلُّ النَّخيلِ تُغَنّيْ لِليْلى
وَوَحْديْ أُقَبِّلُ كُلَّ قُصاصاتِ هَذا الصَّباحِ
وَوَحْديْ أُراقِبُ لَيْلى وَكَيْفَ سَتَقْرَأُ أَشْعارَ " لُوْرْكا "
وَتَكْبُرُ مِثْلَ ضِياءٍ يَحُطُّ عَلَى أُصْبُعٍ وَيَطِيرُ
عَلى شُرْفَةٍ لِلصَّباحِ يَطِيرُ

( 2 )
أَطِلِّيْ عَلى الحُلْمِ
لِيْ أَنْ أُغَنِّيَ لَحْنَ الغُيُومِ
وَلِلزُّرْقَةِ الأُحْجِياتِ انْسَكَبْنَ عَلَى مَرْفَأ العابرينَ
وَكَمْ نَامَ طِفْلٌ
وَهَمْسُ الفَرَاشِ يُداعِبُ فِيهِ الطُّفولَةَ يَوْماً
سَتَكْبُرُ كُلُّ المَرايا
فَخُذْ مِنْ هَديلِ اليَمامِ بَراويزَ ذِكْرى
فَما عُدْتَ تَبْنيْ عَلى صَفْحَةِ الطِّينِ بَيْتاً
وَأَنْتِ
مَلأْتِ الصَّدى أُغْنِياتٍ
تُنادِينَ مِلءَ الفَضاءِ
" رَسَمْتُكَ فِي لَوْحَةِ الغَيْبِ
دُونَ الرُّجُوعِ لِقامُوسِ عِشْقٍ
أُحِبُّكَ ..
هَلْ لَوَّنَتْكَ الحِكَايَةُ حِينَ اقْتَفَيْتَ خُطاها
وَبَعْثَرْتَ هَذا الرَّبيعَ عَلى شُرْفَتي حِينَ نَامَ المَساءُ ؟! "


( 3 )
وِغِرْناطَةٌ سَتَنامُ
لِئلا تَحِيكَ النَّخِيلَ فَساتينَ حُبٍّ
وَلُوْرْكا سَيَغْفُو
وَقَامُوسُهُ المَخْمَلِيُّ يحنَّ لِفَجْرٍ بَعِيدٍ
وَأَنْتِ
تُطِلِّينَ مِنْ جِهَةِ الغَيْمِ عِطْراً
سَتَتْلُو عَلَيْكِ الأَسَاطيرُ قِصَّةَ بَعْثٍ قَدِيمٍ
هُنالِكَ سَيِّدةَ الحُبِّ
تَحْتَارُ فِيْكِ المدائِنُ رَمْزاً
يُعَلِّقُ فِيْكِ النَّشيدُ أَهَازِيجَهُ العَابِراتِ
وَما بَيْنَ صَمْتٍ وَصَمْتٍ
تَكُونِينَ دِفْئاً يُعانِقُ هَذيْ الحَيَاةَ
وَلا سَطْرَ يَبْدَأُ رَسْمَ الحُرُوفِ
فَأَنْتِ ابْتِداءُ الكلامِ
وَأَنْتِ انْتِهاءُ الحِكَايَةِ في مَرْفَأِ العَاشِقِينَ
أَطِلّيْ عَلَى القَلْبِ
كُلُّ الجِهَاتِ تَمُرُّ وَيَخْلُدُ فِيهِ الحَنِينُ
لِصُبْحٍ مَرَرْتِ عَلَيْهِ وَكَانَ ابْتِهالُ العَصَافِيرِ في رِاحَتَيْهِ
سَتَكْتُبُ غِرْناطَةٌ مَا تَبَّقَّى لَها مِنْ وَصَايا النَّخِيلِ
سَتَعْزِفُ غِرْناطَةٌ مَا تَبَقَّى لَها مِنْ أغاني الرَّحِيلِ .


الخميس، 17 سبتمبر 2009

درويش .. حضور في الحضور




درويش .. حضور في الحضور

" درويش يرحل كما تنبأ دون ضجيج ! " ، هكذا وصلني خبر الرحيل ، هلال البادي بعث التعازي حارة في الأرجاء ، فأعادتني الذاكرة قليلا لأسبوع سابق ، إلى ذلك المساء المحمّل برائحة اللبان الجنوبي ، والأفق الممتد في حضورٍ خريفي رائع . هناك على طاولةٍ واحدة في مطعم الفندق الذي جمعنا في الملتقى الأدبي الرابع عشر بصلالة ، كنا أنا والشاعر حسن المطروشي نتحدث قليلاً عن الشعر فأخذنا الحديثُ إلى محمود درويش ، تطرقنا إلى ديوانه الأخير " أثر الفراشة " ، أذكر يومها أنّي تلوتُ شيئا من همزيته في الديوان ، والتي ربما كان يتحدى من خلالها قلبه الصغير ، لم نكن ندري ونحن في خضم الحديث عنه أنَّ الموتَ الذي غلبتْه الفنون جميعاً كان يتحيَّنُ فرصة ليعلن من خلالها انتصاراً تاريخياً على أفق الحياة !!

كان الحديثُ ساعتها عظيماً رغم قصره ، لمَ لا ؟! والمُتَحَدَّثُ عنه درويش الذي حمل الكلمة على جناحٍ وحلّق بها بعيداً ، درويش الذي أهدى السماء لوناً درويشياً برائحةِ الأمل ، إنّه درويش فكان لزاماً أن يتحدثَ عنه القلب وأن تخفق له الروح .

قبلها فقط بيومين كنت والقاص محمد سيف الرحبي نستمع إلى تسجيل صوتي لدرويش من أمسية أقامها في أبوظبي ، كان الشعر حاضرا صوتا يدغدغ الآذان ، ويرحل بالقلوب بعيدا ، درويش حضر في هذا الأسبوع أكثر من مرة ، ثم رحل في الأسبوع الذي يليه في وداع أبدي !!

وأنا أستقبل رسالة هلال البادي على هاتفي ، أدركتُ أنها ساعةٌ فقد فيها الشعرُ الحديثُ عموداً من أعمدته ، الطائرُ المحلقُ فضاءَه الممتدَ ، إنّه محمود درويش أجمل من حمل مشعل الشعر في زماننا ، توالت بعدها الرسائل نقلا عن القنوات الإخبارية التلفزيونية ما بين مؤكدٍ للخبر ونافٍ له ، إلى أنْ جاءتْ جهينةُ أخيراً بخبرها الأكيد برحيل الشاعر محمود درويش في الولايات المتحدة على إثر عمليةٍ أجراها في القلب ، ذلك القلب الذي ظل درويشُ طويلاً حاملاً سرَّه معه ، يُخْبرُ عنه في شعره ، بعدها يأتيني اتصالٌ هاتفي من الشاعر حسن المطروشي يذكرني بالحوار الدرويشي الذي دار بيننا هناك في صلالة ، وكأنّ القدر أراد لنا أن نذكره لحظة احتضاره تلك ، إذن رحلَ درويش وهو الذي قال :

" أحِنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي ،
ولمسةِ أمّي ،
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعْشقُ عمري لأنّي
إذا مِتُّ
أخجلُ منْ دمعِ أمي .. "

هذه المرة يا درويش ترحلُ دون أن تخجلَ من دمع أمّك ، رحيلُكَ جاءَ بمذاق الصبر الذي رسمته شعراً طيلة السنوات الماضية ، والأمل الذي كنت تحمله لشعبٍ أفاق على نكبةٍ إثر نكبة ، ونحنُ مثلكَ كنا نحنُّ لذلك الخبز ، القهوة ، اللمسة ، للحياة التي عشناها في طفولتنا ، كلما مررنا على هذه الكلمات استرجعنا داخلنا ذلك الزمن ، وحدكَ من أحبَّ تلك الحياةَ ، وأظنّكَ أخيراً أحببتَ أن تفارقها وأنت تردد :

" على قلبي مشيت كأن قلبي ..
طريق أو رصيف أو هواء "

هكذا هو الشعر عندما يبقى شاهدا ومتحدثا ، رحل درويش وبقيت الكلمة في جدار القصيدة العربية ، محمود ترك حروفه معلقة للزمن ، وعلى امتداد الفضاء الشعري الطويل يبقى حصان الشعر يحمل ذلك المشعل ، تبقى القصيدة الشعرية محملة بأسرار لا تعرفها إلا أقلام نسجت حروفها من ذهب ، ودرويش آخر هذه الأقلام ، شاعر ولدته الحياة ، فأوجد لنا الإصرار ، منحه الزمنُ الغيابَ ، فأوجد لنا الحضور ، منحته القصيدة الحبَّ فأوجد لنا الجمال ، وجمال درويش في الغياب وفي الحضور .

فمساء درويشي أخير لنزف القصيدة العربية .




تحت المطر ..

يذكرُ صاحبُ البيانِ والتّبيينِ أنَّ لفظَ "المطرِ في القرآنِ وردَ في مواضعِ الانتقامِ ، والعامةُ وأكثرُ الخاصةِ لا يفصلون بين ذكرِ المطرِ وبين الغيثِ" ، ورغم ذلك فالمطرُ ظلَّ حاضراً في حديثِ الناسِ سواءً كان نعمةً أم نقمةً ، فهو أقربُ إلى عواطفهم وأذهانهم ، فيأتي الاستخدامُ مأهولاً بأسرارِ اللفظةِ الأقربِ إليهم .

ويبقى المطرُ لغةَ الحياةِ ، فهو الماءُ المتدفّقُ في عُروقِ الأرضِ ، الواهبُ اخضرار الكونِ ، يرى فيه الأدباءُ روحاً تجمعُ بين قلوبٍ أنهكها الانتظارُ ، ولغةٍ جافةٍ ترفعُ أكفَّها نحو السّماءِ ، فكانوا – وحدَهم - العينَ التي أبصرته من بعيدٍ ومن قريب ، فانبرتْ أقلامُهم تتحدثُ عن علاقاته الحميميةِ . إنّها لغةُ الأقلامِ المتخيلةِ التي تبني من الصّورة فضاءً ممتداً بين المشرقِ والمغربِ ، فرسمتْ اللوحةَ كما رأتها أولَ مرةٍ ، يعبّرُ نزارُ عن عقدته المطريةِ قائلاً :

أخافُ أنْ تمطرَ الدنيا ولستِ معي
فمنذُ رُحْتِ .. وعندي عقدةُ المطرِ

فربطَ نزارُ عقدته مع المطر بالأنثى ، وهي صورةٌ متشكلةٌ في ذات الشاعرِ نتيجة البعدِ والفراقِ ، ويبني السّيابُ من المطرِ أنشودته الكبرى مازجاً بين الخلود والحرية المتحركة في أفق الحياة :

أتعلمينَ أي حزنٍ يبعثُ المطر ؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر ؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع ؟
بلا انتهاءٍ – كالدم المراق ، كالجياع ،
كالحب ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر!

فجاء المطرُ معبراً عن أسرارٍ داخليةٍ يترجمُها النّصُ في مشهدٍ ثائرٍ ، متقمصٍ دور الحزنِ والوجعِ ، نازفٍ كل إرهاصاتِ الوجودِ . أما محمود درويش فاكتشف بيروتَ من المطرِ الذي رسمَ لوحةً خلابةً على صفحةِ البحرِ ، فجاء اسمُها مشتقاً من الطبيعةِ والجمالِ ، يقول في رائعته بيروت :

من مطرٍ على البحرِ اكتشفنا الاسمَ ، من طعمِ الخريفِ
وبرتقالِ القادمين من الجنوب ،
كأنّنا أسلافنا نأتي إلى بيروتَ كي نأتي إلى بيروتَ ...
من مطرٍ بنينا كوخنا ، والريحُ لا تجري فلا نجري ، كأنَّ الريحَ
مسمارٌ على الصلصال ، تحفرُ قبونا فننام مثل النملِ في القبوِ الصغيرِ

والواقع أننا اليومَ في أمسِّ الحاجة إلى المطرِ ، لا ليروي صحراءنا القاحلةَ فقط ، بل لنتعرفَ على معنى الحياةِ به ، نحتاجُ للمطرِ كما آمنَ به نزار كي نمزقَ عقدتنا الكبرى مع الآخرِ ، ونهدِّم الجُدُرَ التي بنيناها زمناً طويلاً والتي تشكَّلتْ عنها أوهامٌ حجبتْ عنا نورَ الشَّمسِ ، نحتاجُ لمطرِ السَّيابِ حتى نعلنَ عن ثورةٍ كبرى على تقاليدَ مزيفةٍ ألبستْنا التقوى والصلاحَ ، والانخراطَ في سلكِ الصالحين دون أنْ ندوِّنَ صحيفةَ عبورنا للماءِ المقدَّسِ ، نحتاجُ لمطرٍ درويشيٍّ كي نتعرفَ على ذواتِنا من غيرها ، عن تجربتِنا الحقيقيةِ في الحياةِ ، ودورنا فيها ، كي نتعرَّفَ على مدينتنا الأدبيةِ التي نطوفُ عليها سبعاً دون أن نطلقَ عليها اسماً يجعلُ منها مدينةً عظمى فاضلة ، نحتاجُ لكلِّ أمطارِ الكونِ لكي نفرِّقَ بين معنى القُبلةِ والقِبلةِ .

المطرُ علاقةُ السماءِ بالأرضِ ، وعلاقةُ النفسِ بالبهجةِ والسّرورِ ، وإذا استلقتْ كتاباتُنا تحتَ المطرِ فذلك لأننا نؤمنُ بقداستِهِ في بناءِ زرقةٍ معماريةٍ للنصِ ، وإذا رقصتْ على أنغامه فذلك لأننا على يقينٍ أن آخره اخضرارٌ يفضي إلى المعنى المتخيّل ، فَتَحْتَ المطرِ تسكنُ أقلامُ تجدُ لها مأوى هناك ، جازمةً أنَّ بعد الظّمأ ارتواءً ، وبعد الإبحارِ وصولاً لجزيرةٍ نائيةٍ .

إنها رحلةٌ رائعةٌ أنْ يجدَ الكاتبُ في المطر ثوباً واسعاً يَعْبُرُ من خلاله أجواءَ الحياةِ ، واضعاً نُصْبَ عينيه عاطفة مفقودة ، أو رحلة نسيها في أحد مدنه البعيدة ، أو طفولة خالدة ، حينها لن يترددَ على مسامعه سوى كلماتٍ كان يرددُها في طفولته لحظة صخبٍ : " مطر .. مطر .. مطر "