الاثنين، 9 نوفمبر 2020

كتاب الكتابة البيضاء لعبدالعزيز المقالح


 

 

كتاب (الكتابة البيضاء: الشاعر.. ذلك المجنون النبيل) من الكتب التي ناقشت مواضيع عدة في الشعر الحديث. الكتاب في مجمله على ما يبدو مجموعة مقالات كتبها ونشرها الدكتور عبدالعزيز المقالح في الصحف في فترات زمنية مختلفة من حياته، حمّلها مجموعة من آرائه وتوجهاته وأفكاره في الشعر.

جاءت المقالات في أكثرها قصيرة، مكثفة الدلالات، متنوعة في مواضيعها، ناقش فيها مواضيع مختلفة في الشعر منها: تعريف الشعر، زمن الشعر أم زمن الرواية؟، القصيدة الأجد (قصيدة النثر)، الحداثة الشعرية، ترجمة الشعر، موت الأدب، وقضايا وموضوعات مختلفة حول الشاعر والشعر كتبها المقال وفق رؤيته الأدبية لمفاهيم الجمال الشعري.

هذا الكتاب صغير في حجمه فهو أقرب إلى كتب الجيب، بسيط في تناوله، رأيت فيه إنصافا للشعر من قِبل الدكتور عبدالعزيز المقالح؛ فهو يدافع عن الشعر وحدوده، وقضاياه المعاصر، ويتصالح مع الأشكال الشعرية جميعها، ويركز على الجمال الشعري؛ ومما ركّز عليه المقالح في أكثر من موضع من الكتاب الرد على من قال إن هذا الزمن هو زمن الرواية وليس الشعر، فقد رؤيته في الموضوع مدافعا عن الشعر في هذا الموضع، عارضا رأيه فيه.

 

هناك موضوعات مختلفة في الكتاب حول موضوع الشعر لمن أراد الاطلاع عليها ومتابعة تناول الدكتور المقالح لها.

 

 


الخميس، 15 أكتوبر 2020

كتاب: أكتب لكم من طهران

 

 

تأخذنا الصحفية دلفين مينوي الفرنسية الجنسية الإيرانية الأصل إلى قلب الحياة الإيرانية والمجتمع الإيراني، والتفاصيل الإيرانية الملتبسة بكثير من الهموم والصراعات والقلق من خلال كتابها (أكتب لكم من طهران).

تقدم الكاتبة في كتابها هذا صورة داخلية للصراعات السياسية من خلال رسالة تبعثها إلى جدّها المتوفى في باريس، والذي هجر بلاده بعد الثورة الإيرانية 1979م والتي أطاحت بحكم الشاه الإيراني. يأتي الكتاب في هيئة رسائل تبعثها إلى جدها، ورسائل تبعثها للقارئ في كل مكان من العالم، رسائل محملة بالواقع الذي تعيشه البلاد بعد الثورة، وحكم الخميني، وبعده خامنئي.

من العنوان ينبش الكتاب في واقع مختبئ بين السلطة والأحزاب التي تعارضها، حيث إن الكتابة في مجملها فعلٌ خطرٌ لا سيما إن كان حول تجربة وواقع مأساوي تحاول نقله للعالم. وعندما تشير دلفين مينوي إلى ذلك بعبارتها (أكتبُ لكم من طهران) فإنها تؤكد على المجازفة بفعل الكتابة الملغم بالأخطار من قلب العاصمة الإيرانية طهران، فنجدها تسرد حكايات الثورات والأحزاب المعارضة مع الأمن الإيراني، والحرس الثوري، كما إنها تنقل صورة قاتمة للشعب الإيراني في يأسه وتفاؤله وطموحه للحرية والتغيير.

إنّ الكتاب الذي قدّمته الكاتبة في (337) صفحة كتاب ذو سرد حزين، يضجُّ بالآهات التي تكتظُّ بها صدور الشباب، كتاب صادر من صحفية جريئة يهمها في المقام الأول بلدها وتاريخه ومستقبله. فأكدت على نقل ما صوّرته عدستها الخاصة إلى القارئ في كل مكان. إيران في نظر دلفين مينوي قطعة من الجمال والتاريخ، ولكنه جمال غائب عن المشهد العالمي، وتاريخ ينبغي أن يُقرأَ ويعاد استلهامُه مرة أخرى، لذا تقرر الكاتبة العودة إلى بلدها بعد سنوات من هجرتها لها مع والدها، تعود للبحث في جماليات هذا البلد، وفي تاريخه، تعود مستلهمة طفولتها، وذاكرتها المكانية، وشغبها في بيت العائلة رابطة ذلك بذاكرة جدها وأبيها في المشهد السياسي الإيراني.

تنقل الكاتبة في كتابها الكثير من الأحداث السياسية التي عاشتها في إيران، من الثورات الطلابية، وأخبارها الصحفية التي كانت تحررها للصحف الخارجية، وتعامل الأمن الإيراني معها ومع غيرها من الصحفيين. كما تنقل صورة للمجتمع الإيراني والإنسان البسيط، والحياة التي تكدرها في أحيان كثيرة المشاهد السياسية المختلفة. لقد حاولت نقل الحياة الاجتماعية خارجا حتى إنها تقول في إحدى صفحاتها: "اجتهدتُ في كسر الصورة النمطية للمرأة الصحافية المجرّدة من حرّيتها. حتى أنني استطعت إقناع رؤساء التحرير في باريس بأنّ هناك قضايا أخرى غير قضايا الذرة الإيرانية، قلت لهم إننا قبل أن نهتم بالقنبلة الذرية، علينا أن نراقب القنبلة الاجتماعية، كل هؤلاء الشباب، النساء والمثقفين". (184)

إن القارئ للكتاب سيجد أن الشخصيات الواردة فيه من المؤلفة إلى غيرها تعيش حالة من القلق والصراع النفسي داخل العمل الكتابي، هذا القلق أو الصراع مردّه الصدام بين السلطة وبين الشعب، فانعكس أثره على الشخصيات التي ظلّ الموت يدور في محيطها، والقهر يتناوب على ذاكرتها، وحين نقلت الكاتبة صفات شخوصها كانت ترسم لنا شيئا من دواخلها المكسورة بدءا من جدها وجدتها ووالدها إلى كل شخصية أخرى مثل بورزو وفاطمة وسبيده وعلي منتظري وسارة وندى الشهيدة وعلي جعفريان قائد أوركسترا شيراز وموسى بابا تاجر التحف اليهودي وغيرهم كثيرون ممن نقلت الكاتبة معاناتهم لنا، وهي التي نسيت الحياة ولذتها معها حين كانت هذه المشاهد تتكرر أمامها، ألم تقل هي مرة: "أنساني تراكم الأكفان المعنى الحقيقي للحياة". (333)

يبقى هذا الكتاب تحفة أدبية خالدة قدمته الصحفية دلفين مينوي ليكون شاهداً على فترة تاريخية من تاريخ إيران الحديث، على أن يبقى وثيقة أدبية للقراء والمهتمين بأدبيات وتاريخ الدول.

 

   

 

 

 

 


الأحد، 26 يوليو 2020

في حُبِّ ليلى






في حب ليلى

أطوف بكعبة الأشواق، إني
نذرتُ بهذه العرصات حجّا

إذا قال الكتاب لها: "وأذنْ"
أجبتُ: قطعتُ يا مولاي فجّا

فلا أحدٌ سواي هناك يبكي
ولا أحدٌ أرى لبّى وعجّا

فقربتُ الشفاهَ للثم ليلى
فيا رباه كيف الكون ضجّا؟

وكنتُ ذبيحَ قومي حين ساروا
فمَنْ قَلَبَ المُدى عني ونجّى

أسوقُ أضاحيَ العُشاقِ قُربى
وروحي في الهوى تنسابُ ثجّا

تزاحمتِ الكُتوفُ وليس غيري
أطالَ وقوفَهُ زهدا، ونهجا

سعيتُ.. سعيتُ في مسعاي أبغي
وصولا. كيف والأشواقُ عرجا!!

تنفستُ الهوى. مَنْ ذاك ألقى
بساحات الهوى قلبي وزجّا

رميتُ بوادي العشاق شعري
كسبع الجمر إذ رجته رجّا

وقال الركبُ ذا قد جُنَّ فينا
وأبكى فعله قلبا وأشجى

مقيمٌ في الحمى وحدي وليلى
وخدي في امتداد الخد سَجّى

أنا المجنون فيهم حين ليلى
أحلّتْ بُرقعاً، فحللتُ سرجا

خالد المعمري
23|7|2020م





الجمعة، 17 يوليو 2020

كتاب الغربال لميخائيل نعيمه



يعدّ كتاب الغربال (1922م) من الكتب المهمة في الدراسات النقدية، إذ قدّم فيه مؤلفه مخيائيل نعيمه (1889-1988) قراءة تبحث عن التجديد في الكتابة الأدبية، التجديد المغاير لما كان عليه الأدب العربي في عصوره السابقة.



إنّ مجمل موضوعات الكتاب قائمة على هذه الفكرة، وربط النتاج التقليدي للعرب بما عليه الأمم الأخرى، وآدابهم، ونتاجاتهم المتميزة كما يراها نعيمه، وأنّه لولا ما عليه من الحركة التجديدية لما تمكنا من الاطلاع عليهم وقراءة تجاربهم.



لقد قدّم عباس محمود العقاد للكتاب في طبعته الأولى وأثنى على فكرته، وعلى مؤلفه ورحّب بفكرة التجديد التي ينشدها نعيمه في الانتقال بالأدب لمصاف الأمم الأخرى.



ناقش نعيمه في كتابه هذا موضوعات عدة مرتبطة بفكرته تلك، قضايا متعلقة بالشعر والترجمة والمؤلفات الأدبية والآداب الغربية والكتبات الشعرية التقليدية في القرن العشرين التي كانت تتغنى بالأطلال في زمن انتهت فكرة الوقوف عليها، وقد كان مولعا بما جاء به جبران خليل جبران، واتجاهه في تجديد الأدب، وعدّه ثورة حين قال: (إنّ جبران ثورة).



إنه كتاب مهم، وجريء جدا في تناوله، لقد كان نعيمه يتكلم بحرقة عن الواقع الأدبي بداية القرن العشرين، وقد أبدى جرأة كبيرة في مناقشة القضايا الأدبية المختلفة بلغة قاسية أحيانا ونقدية أحيانا أخرى، ومع ذلك فهو كتاب مهم لمن هو على اطلاع بالمراحل الأدبية العربية واتجاهاتها المختلفة.

السبت، 16 مايو 2020

رواية: موسم الهجرة إلى الشمال





عندما تقرأ للطيب صالح (1929-2009) فإنك تستطيع أن تتخيّل المكان بصورته الصافية، والبيئة بثقافتها؛ إنّ الطيب صالح واحد من الروائيين الذي استطاعوا تقديم صورة للسودان بثقافته، وبيئته، وحياة أفراده، ولا أدلَّ على ذلك من روايات (موسم الهجرة إلى الشمال) و(عرس الزين) و(مريود)...

تنقُلُك رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) إلى تلك الرقعة الجغرافية من العالم، في أفريقيا مطلع القرن الماضي، وتتناول حكاية مصطفى سعيد الإنسان الغريب الذي نقله نبوغه من السودان إلى إنجلترا للدراسة، وهناك صار مصطفى سعيد صياداً للفتيات، كل مرة يطارد ضحية جديدة، ثم يستبدلها بضحية أخرى إلى أن تقوده الأحداث لإدانته بقتل زوجته ثم محاكمته وسجنه. الرواية تُعيد مصطفى سعيد إلى السودان ولكن ليس إلى الخرطوم بل يسافر إلى بلد ريفي وهناك تتمدّد الحكاية وتتوسع الأحداث، وتنكشف معها الشخصية المجهولة لمصطفى سعيد.

لا أخفيكم سرداً وأنا أقرأ الصفحات الأولى من الرواية أحسستُ بأنَّ الأحداث تتداخل في ذهني، واللغة التي بدأتْ بها الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية، لقد أحسست وأنا أتعمق في القراءة وكأني أقرأ سيرة الطيب الصالح، والأحداث عاشها في ذاكرته ونقلها في سطوره، والأمكنة رأتْه وأثّرت فيه وتصالحت معه، واختلفت معه، أقول ذلك وأنا أتساءل هل يمكن أن يحدث ذلك في مخيلة القارئ بإطلاق الآراء على ما يقرأ؟ هل يمكن أن يكون مصطفى سعيد صورة ولو في شيء بسيط من تخيّلاتها للروائي نفسه؟

حين تقرأ موسم الهجرة إلى الشمال ستجد المجتمع السوداني حاضراً كعادة كتابات الطيب صالح باشتغاله على بيئة مجتمعه وثقافته، فهو ينبش في هذه الرواية في بعض العادات المجتمعية كتزويج الغريب، وتزويج الفتاة دون موافقتها، والعمل على حساب التعليم، وحكايات المتزوجين، وجلسات السمر، وطقوس الختان وحفلاته، وعادات النيل وفيضانه. ومع ذلك فهو لم يغفل عن إقامة علاقة ولو بسيطة بين بلده وبلد آخر يرى فيها حرية أخرى.

لقد سافر مصطفى سعيد وهو غريب في داخله، وعاد وهو غريب في داخله، ومات وهو غريب أمام الناس والمجتمع وزوجته، لقد أراد أن يخفي أسراره عن الجميع فكان له ما أراد.

في قراءتك لهذه الرواية يمكنك أن تكتشف طبائع الشخصيات التي اشتغلت عليها الروائية، الشخصية المثقفة المتعلمة، والشخصية العاملة الكادحة، والشخصية المتدينة، والشخصية البسيطة العامية، والشخصية الراغبة في الجنس، والشخصية القانعة الخاضعة، كل تلك الشخصيات استطاع الطيب الصالح توظيفها في أحداثٍ عادت بالذاكرة بها لمجتمع كان يرمم حياته ويفكر في مستقبله. لقد استمدّت الرواية كل تفاصيلها من ثقافة المجتمع السوداني مما جعل للحكاية في تفاصيلها أكثر ارتباطاً بالمكان والذاكرة والحلم والطفولة، في استعادة لموسم السفر أو الهجرة إلى البلاد الأوربية، والتي لم يبقَ منها إلا ذاكرة من الصور خبّأها مصطفى سعيد داخل غرفة مغلقة، وكأنّ تلك الصور هي نسخة أخرى لذاكرة الغريب الذي أتى ورحل دون أن يُحس به أحد. وهي الذاكرة نفسها التي سيتركها مصطفى سعيد متعلقة بذاكرة ابن القرية الذي لا يعرفه كثيراً، ويجعله وصياً على أولاده ويمنحه مفتاح الغرفة التي بها أسراره.

ستتكشف الأحداث شيئا فشيئا، وسترحل حسنة بنت محمود حاملة معها حزمة من العادات والتقاليد بقتلها ود الريس، حيث لم يقم الناس لها عزاء ولا جنازة، وسيموت ود الريس على يد حسنة بسبب رغبته الجامحة في الزواج والطلاق، وسيلتهم النيل مصطفى سعيد لأنه تعلّق بأرضه في يوم ماطر، وسيظل ابن القرية/ الراوي ينظر إلى جده، ومحجوب، وبنت مجذوب، وأهل قريته، يتفرس في وجوههم، وفي طباعهم قائلا: "هؤلاء القوم لا يدهشهم شيء. حسبوا لكل شيء حسابه. لا يفرحون لمولد ولا يحزنون لموت. حين يضحكون يقولون: "أستغفر الله" وحين يبكون يقولون: "أستغفر الله". لا يقولون: وأنا ماذا تعلمت؟ تعلموا الصمت والصبر من النهر والشجر".

الأربعاء، 22 أبريل 2020

كتاب جوادر تحت السيادة العمانية






يتناول كتاب جوادر تحت السيادة العمانية الفترة الزمنية التي كانت فيه جوادر تابعة للسلطة العمانية إلى وقت خروجها من السيادة العمانية وتبعيّتها إلى حكومة باكستان في عام 1958م. ولقد قدّمت المؤلفة عرضاً تاريخياَ لجوادر منذ وجود البرتغاليين في المنطقة ثم دولة اليعاربة ثم الاهتمام الكبير لدولة آل سعيد بهذه المنطقة بدءاً من السيد سلطان بن الإمام أحمد إلى السلطان سعيد بن تيمور.


كما يقدّم الكتاب لمحة عن منطقة جوادر من حيث موقعها، وتضاريسها، وأهميتها الاقتصادية، وتركيبة سكانها، وأهم الملامح التاريخية التي مرّت بها. ويتبيّن لنا من الموضوع الذي تطرّقت له الباحثة والمعلومات التي وردت فيه أنّ الباحث قامت بجهد كبير في جمع المعلومات من خلال المراجع التاريخية التي عادت إليها لتقديم صورة وافية للمنطقة، أو من خلال الزيارات الميدانية التي قامت بها في جوادر، أو من خلال اللقاءات التي أقامتها لبعض الشخصيات التي عايشت تلك الفترة في جوادر، حتى انتهت لنا بمعلومات تاريخية مكتوبة أو مروية لم تكن لتصل إلينا لولا هذا الجهد.


ورغم الجهد الكبير الذي ظهر جليّاً في الكتاب، فإنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن طبعة الكتاب لم تكن عند ذلك المستوى المأمول، للآتي:

1.   طبعة الكتاب من الإخراج وتناسق الفقرات وتباعد الأسطر سيئة جدا، توحي بأنّ الكتاب قد طُبع قبل ستين سنة أو أكثر وليس عام 2015م.

2.   الهوامش السفلى غير منظّمة، ومتداخلة الصفحات، فالهامش(4) مثلا موجود في الصفحة المقابلة للصفحة التي فيها المعلومة المنقولة، إضافة إلى تراص الهوامش بعضها مع بعض.


وبالحديث عن الهامش فإنه يمكن القول إن الباحثة اشتغلت على الهامش كونه متناً آخر، تقف عليه في كل صغيرة وكبيرة تقدم من خلاله المعلومات التي لم ترد في المتن، وتتوقف مع شخصيات الدراسة بالتفصيل وكذلك الحال مع التفاصيل التاريخية والأحداث والكتب والمراجع، حتى صار الهامش مثقلا بالتفاصيل. إلا إن ذلك لا يلغي الجهد الذي قُدّم بل هو جهد تشكر عليه الباحثة في عرضها للمعلومات والحقائق.


إنّ الكتاب في مجمله وثيقة مهمة لفترة تاريخية من تاريخ عمان، وذا فائدة لكل مهتمٍ بالشأن العماني الداخلي والخارجي، ولمن يتتبع دور الحكومة العمانية لاسيما السلطان سعيد بن تيمور في محاولة الحفاظ على هذا الجزء من السيادة العمانية رغم الضغوطات والمشاكل الاقتصادية التي كانت تحيط به وبالسلطنة تلك الفترة الزمنية.








السبت، 18 أبريل 2020

كتاب: محمد الماغوط.. حطاب الأشجار العالية



محمد الماغوط.. حطّاب الأشجار العالية



عن دار كنعان السورية صدرت هذا العام الطبعة الأولى من كتاب محمد الماغوط.. حطّاب الأشجار العالية وهو على ما يبدو طبعة معدّلة لكتاب (اغتصاب كان وأخواتها). ويشمل هذا الكتاب حوارات مع الماغوط يتحدث فيها عن الشعر ومسيرته الشعرية وعلاقته بجماعة شعر، وعالم السجن الذي شكل مفارقة في حياته الإبداعية.

وفي الحقيقة تستهويني كثيرا كتب السير الذاتية وغير الذاتية لما فيها من أسرار وذاكرة تقوم السيرة بتناولها عن حياة الكاتب والمبدع، كذلك تستهويني قراءة كتب الحوارات كونها نوعاً آخر من كتب السير، لما تتناوله من حياة الكاتب وإخراج ما هو مخبوء في ذاكرته.

وعندما أهدتني صاحبة دار كنعان الكتاب في معرض الكتاب الماضي أخبرتني أنني سأجد شيئا مختلفا في ذاكرة محمد الماغوط، وحياته، ومسيرته الإبداعية، وبالفعل إنّ الكتاب يرصد لنا مسيرة هذا الشاعر منذ الطفولة حتى أواخر حياته. وبأخذك الكتاب إلى مراحل مختلفة من حياته في الطفولة وفي السجن ومع جماعة شعر، وتظهر شخصية الماغوط هنا كونها شخصية حادة الطباع، قاسية الأحكام، غير مجاملة، ويمكن أن تلحظ ذلك في إطلاقه الأحكام على الشعراء الذين عاصروه، كأدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج، فقد وصف محمود درويش بأنه "غير صادق" دون أن يوضح معيار الصدق هنا، وأن أدونيس يكتب "طلاسم" و"لا يفهم شعره"، ونزار "شاعر كبير بقضايا صغيرة"، وغيرهم من الشعراء.

الكتاب مهم لتتبع مسيرة هذا الشاعر الذي أحبَ الشاعرة سنية صالح والتي يعدها أبرز شعرا من نازك الملائكة، أو غادة السمان، وظل وفيا لحبه بعدها.. كل تلك محطات مرت في حياة الماغوط سيجد القارئ متعة في قراءتها ضمن مسيرة الشاعر المثير للجدل والجمال الشعري.



س: ما هي رؤيتك الشخصية لصورة الشاعر القديم؟

ج: أعتقد أننا كأحفاد بائسين، لا بد أن يكون لنا أجدادٌ أكثر بؤسا.


الأربعاء، 15 أبريل 2020

عن رواية شهادة وفاة كلب









ليس غريبا أن يجد القارئ كتاباً مشتركاً لمؤلّفَيْنِ أو أكثر في فرع الدراسات أو المقالات أو البحوث، لكن أن يكون التشارك في إنتاج نص أدبي إبداعي فذلك يبدو شيئاً غريباً أو ليس بالمعتاد لنا تصور اشتراك كاتبين في الأفكار والأسلوب، علماً أن كاتبي رواية شهادة وفاة كلب قد يلتقيا كثيرا في استخدام الأسلوب الساخر، ومعالجة القضايا بهذا الأسلوب، وتكثيف الاشتغال عليه في أكثر من إصدار.


رواية شهادة وفاة كلب نصٌ يجمع الأسلوب الساخر في أماكن عدة، ويمزجها بالسرد الواقعي معتمداً على مرجعيات من الواقع الخارجي المعيش، ويسقطها على شخصيات متعددة لها أمزجتها ونفسياتها وطرائق حياتها المختلفة. 


تُقدّم لنا الرواية اشتغالاً على المضمر الداخلي للشخصيات، حيث تقوم كل شخصية بإبراز ما بداخلها من أزماتٍ وذكريات وأحداث ومواقف، تتسلّل إلى الأحداث، وتعمل على بناء أحداث جديدة إضافة الحدث الرئيس، بانتقال السرد من فضاء لآخر، تقطنه شخصيات أخرى تعمل بدورها على إنشاء أحداث أخرى في فضاءات أخرى مع التقاطع مع الفضاء الأول. مضمرات عدة حفلت بها الرواية وقضايا محورية ناقشتها في أحداثها، لقد ظل الواقع يتداخل مع السردي مشكلَيْنِ مرجعية يتبناها النص ويقدّم من خلالها أفكاراً منظّمة قصدها الكاتب في استلهام مرجعياته الخارجية. 


ومع وجود أحداث عديدة نتجت عن الشخصيات في الرواية، إلا إنّ عضة الكلب الأسود لمؤخرة شخصيتنا الرئيسة يعدُّ الحدث الرئيس في الرواية، إذ تنبني عليه جميع الأحداث المستقبلية منها والماضية، يتراوح معها السرد جيئة وذهاباً كاشفا بها التباسات الشخصيات التي أمامه، والأمكنة. بل يمكن القول إن شخصية الكلب قد لعبت دوراً محوريا في فضح مكنونات شخوص الرواية، واتساع دوائر الأحداث في محيطٍ حُلمي/ غيبوبي للذاكرة. إنك تنتقل مع الأحداث وتعيش انكسارات بعضها، وحزن بعضها الآخر، وأمل الأخرى، فيما تظل الشخصية الرئيسة متذبذبة في الأحداث، مرةً يحكمها الخوف من المجهول ومن الماضي لا سيما المتعلقة بالكلب وأخيه محمود، ومرة يسكنها التشاؤم لنبوءات أمه، ومرة يعيش حياة التفاؤل لحبه لجمانة.


جمانة أيضا لعبت دورا مهما في السرد، فهي شخصية عملت على الاشتراك مع الشخصية الرئيسة بإعطائها مساحة من التخيُّل المدهش، والحركة داخل النص، والصراع مع الذات والآخرين، إلا إن الماضي وصرخات أخيه محمود "أنا لستُ سوى كلب"، لماذا ظل يطارده هذا الصوت؟ هل كان يسمع فيه صوتاً آخر له؟ 


بموت محمود تشتعل حكاية الكلاب، وتظل تؤرق أخاه، ويبدو أنه لا سبيل للخلاص من هذا الصوت إلا بانقطاع الماضي، والبقاء في الحاضر، ولن يتم ذلك إلا بوجود جمانة، وها هي تعيد نفض الحكاية، وتهزّ الأحداث في غيبوبتها معلنةً وفاة كلبٍ بكلّ ذاكرته، وأحلامه، وأمكنته التي عبّرها، وسنين طويلة من الخوف والترقُّب.



هل بالفعل يمكنُ أن يكون الخوفُ كلباً أسودَ يطارد أحلامنا؟؟

الجمعة، 10 أبريل 2020

كتاب الأيام لطه حسين






أذكرُ هذا الكتاب جيداً، اشتريته صيف 2008م ب13 جنيها ونصف من المعرض الدائم للكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم صار حبيس مكتبتي الشخصية إلى هذا العام. صار الكتاب أمامي، أُطلُّ عليه كل يوم، ويُطلُّ عليّ، حتى حان موعد خروجه من الرفّ.

يعد كتاب الأيام لطه حسين (1889-1973) من أهم الكتب في الأدب العربي الحديث، كونه يتناول سيرة شخصية ثقافية لواحد من أهم كُتّاب القرن الماضي. يرصد الكتاب سيرة عميد الأدب العربي في طفولته في أرياف مصر، وفي القاهرة أيام تعلمه في الأزهر والجامعة، وأثناء سفره لفرنسا لاستكمال دراسته. كما يوثّق كتاب الأيام للحياة في مصر بكل صورها الريفية والمدنية ويقيم صراعا بين المؤسسات المختلفة، كما يحيل على مرجعيات ثقافية ينبني على فكر طه حسين الأدبي.

ينقسم الكتاب في مضمونه إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الطفولة الأولى التي عليها المؤلف، حياة الأرياف البعيدة عن القاهرة، وكيف كانت طفولته في ظل العمى الذي يحاصره. ينقل لنا طه حسين مظاهر الحياة في الريف، الحياة في البيوت، الكتاتيب، معلم القرآن، الفعاليات والعادات، ويظهر فيها طه حسين يعاني من حالة العمى الذي عليه، وهنا تظهر الإشارة الأولى لتأثره بأبي العلاء المعري.



الثاني: الحياة في القاهرة، والسفر لطلب العلم في الأزهر، وهنا يرصد لنا حياة الأزهر، والمدرسين فيه، ونظام التعليم الذي فيه، مع وصف للقاهرة وبعض شوارعها، والمكان الذي كان يسكنه ويتشارك فيه مع أخيه، كما يذكر انتقاله للتعليم في الجامعة وشغفه بطريقة تدريس الأساتذة فيها.



الثالث: رحلته إلى فرنسا لاستكمال دراسته والصعوبات التي واجهها في سبيل التعليم هناك.



إنّ كتاب الأيام ليس كتاباً في السيرة فقط، بل هو أيضا كتاب توثيقي في للمكان، والشخصيات، لقد صوّر مؤلفه بأسلوب بسيط وسهل، ثقافة المكان في كل جهة تنتقل إليها الأحداث، كما سرد نفسيات الشخصيات وواقعها وسماتها سردا بديعا يجعل القارئ يعيش ذاكرة الإنسان المصري بداية القرن الماضي. ويحيلنا الكتاب على عدد من المرجعيات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي عملت على تشكيل ثقافة طه حسين الأدبية والتي أنتج بها أعماله المختلفة، من هذه المرجعيات، المرجعية الاجتماعية للثقافة الشعبية الريفية، والمرجعية المكانية لمؤسسة الأزهر الذي أمدته بكثير من الاختلاف الفكري، كما أدى اطلاعه على كتب التراث على تشكيل المرجعيات الثقافية والأدبية في نتاجاته المختلفة.



في الأخير: فعلا أنا أحسد طه حسين على ذاكرته القوية التي نقلت أدق التفاصيل في الكتاب نقلا سماعيا رغم السنوات الطويلة بين الأحداث والتأليف.