الثلاثاء، 18 يوليو 2017

لــورا




لـورا ..

 

" ... وهذا النيل ابتسم لما رآك تبتسمين "

 

كأنَّ الصُّبحَ يسألُ مَنْ أنا ؟!

مِنْ أيِّ ضوءٍ جئْتَ ؟!

هلْ كُنّا على دربِ المسافةِ نلتقي ؟!

سيوزِّعُ الأصْداءَ حُلْمٌ آخرٌ

لي أنْ أُناقِشَ كُلَّ مرآةٍ تمرُّ بصبحِنا

مِنْ نَخلةٍ كانتْ تترجمُ لونَها للرّملِ قلتُ قصائدي

غَنَّيْتُ منْ أسمائِها الصّحراءَ

قلتُ بأنّني منْ لونِها الرّمليِّ

" أكتبُ حرفَها المنسيْ "

أهذا الصّمتُ لا يدري بأنّ الضّفةَ الأخرى امْتدادٌ للرّجوعِ ؟!

وأنتِ ..

لا شُبّاكَ منْ جهةِ الغيومِ يُطِلُّ

هل تحدوكِ أزمنةٌ ..

مسافاتٌ .. وأشعارٌ

وكيفَ تؤرجحُ النّاياتُ أسئلةً

وهذا الموعدُ الزمنيُّ يأتي دونَما وقتٍ !!


شَمالاً ، بانْحرافٍ للمواقيتِ التي قدْ أهدروا فيها المسافةَ

هذهِ الكلماتُ

أُهدي للمدى منها عُبوراً أبْيضاً

لو تكتبينَ عنِ الوداعِ

لضجَّتِ الأوراقُ منْ سَفَرٍ وحيدٍ

لا عزاءَ لهذهِ الأشْعارِ

إنْ رحلتْ إلى هذا المساءِ  

يمامةً ،

أرجوحةً ،

بينَ المدى الممتدِّ والفأسِ المعلَّقِ في ضفيرةِ قَمْحِنا

بين الصّدى والخوفِ

ما بينَ الشُّموعِ وقد توضَّأتِ احْتراقاً أوّلَ اللقيا

وآخرَ مَنْسكٍ للرّوحْ

أكانتْ هذه الأصداءُ ممّا قاله العُشّاقُ ؟!

ممّا خطّه العرّافُ في هذي السّطورِ ؟!

تمرُّ في سمعِ القصيدةِ طفلةً

فُستانُها الزّهريُّ فتَّشَ عن معابدَ لانْزواءِ الحُبِّ

كمْ مَقطوعةٍ نحتاجُ كي نَصِلَ السّماءَ

يحفُّنا صوتُ الحنينِ

أكانتِ الأسماءُ فاصلةً تُودّعُ كلَّ هذا النبضِ ؟!

كمْ معزوفةٍ نحتاجُ كي نبنيْ سماءً من ضفائرِكِ الجميلةِ

من صباحاتٍ تَلَوَّنَ أفقُها في سطوةٍ للبوحِ

ها قد جئتُ ..

مَوَّالي .. وقيثاري هنا عزفا

وكم غنّيتْ :

 

" مَررْتُ على شواطئِ راحتَيْها ..

  نَثَرْتُ لها الوُرودَ

  فهلْ سألقى

 

  سَلالمَ هجرتي ترقى حنيناً ..

 وغيماً ساجداً

 أبهى وأنقى

 

 إذا مرّتْ بوادي الحُبِّ تشدو ..

 يذوبُ الصّخرُ منها الآن

 عِشْقا "

 

ولورا ..

نامَ فوقَ سمائِها الغَيْمُ المضمَّخُ بالحنينِ لوجهةٍ أُوْلى

وأيقظَ كُلَّ عاشقةٍ تُفَكِرُ في احْتضانِ الوَرْدِ

هاتي منْ غِناءِ النّيـلِ رَقْصةَ كُلِّ مَنْ عَبروا على أيامِهِ

ممّا عَرفْتُ ،

وما يكونُ ،

لِلَوْنِ شُطآنِ الحياةِ

دعي فُصولَ الأُغْنياتِ تُعيدُنا لحناً تُغَنّيه الحُقولُ

خُذي مساءً عابراً ،

مزمارَ عِشْقٍ قد تَيَتَّمَ بعد لوحتِه الحزينةِ

هل تُناديكِ الحُروفُ

وكلُّ أمنيةٍ تمرُّ على لغاتِ الحَرْفِ يُرْبِكُها الصَّدى

ألكِ الفُصولُ جميعُها

ولنا انْكسارُ حكايةٍ في الظّلْ ؟!

ولورا لا تُجيبُ !!

كأنّها عادتْ تُفكِّرُ

كيفَ عاشقةٌ يُداعِبُها الصّباحُ !!

كأنّني ما كُنتُ أَسألُ

كيفَ عاشقةٌ ويخجلُها الصّباحُ ؟!

لأنّني حُمِّلْتُ شيئاً مِنْ أغاني العِشْقِ

مِنْ قاموسيَ المجنونِ

عادتْ تنسجُ الأصْداءَ في صمْتٍ

أعيديني إلى بَوْحي

لأنّي ما كتبتُ بدايتي أو صُغْتُها

ألقَيْتُ أسفاري نهاية رحلةٍ

وزعتُ أخيلتي لهذي الشّمسْ

 

ولورا مثلُ هذا الرّملِ

تحملُهُ الرّياحُ إلى نهايتِها

تُلَوِّنُهُ ، وتمنحُهُ اصْطفاءَ الغَيْمِ

كمْ أُرْجُوحةٍ قامَتْ تُغنّي باسْمِكِ الفضّيِّ

تَخَضَرُّ السّطورُ بكلِ قافيةٍ

وأَسألُ : مَنْ لهذا الصُّبحِ إنْ جِئْنا

ولمْ نَعْثُرْ على رَسْمَيْنِ في دمِنا ؟!

 

ولورا

     لا تجيبُ !!

الجمعة، 7 يوليو 2017

ابن شيخان يصف جنة ظفار



قال ابن شيخان السالمي مادحا السلطان فيصل بن تركي وذاكرا رحلته من مسقط إلى ظفار وواصفا فيها جنة ظفار:
 
لكن (ظفار) مع ذا جنة ^^ طيّبة المطعم والمشربِ
وكامل الدنيا عزيز، ولا ^^ تخلو القرى من منقص منقبِ
وإنما الحسنُ بها غالب ^^ والناسُ يجرون على الأغلبِ
تسلسلتْ أنهارُها عذبةً ^^ واها إلى سلسالها الأعذبِ
واعتنقت أشجارها إذ شدت ^^ أطيارها في لحنها المعربِ
فيها من الطير ووحش الفلا ^^ ما لكنتْ عنه ابنة الخرشَبِ
 
يكادُ بالأيدي ينال الذي ^^ يسرحُ من ظبي ومن أرنبِ

الأحد، 26 مارس 2017

رسالة إلى عبدالله البردوني في اليوم العالمي للشعر

 
 
 
خالد علي المعمري
21|3|2017م
 
رسالةٌ إلى عبدالله البردُّوني
 
شاعرَ اليمنِ عبدالله البردُّوني
يُغريني هذا اليومُ بكتابة رسالةٍ خاصةٍ لك، أقودُ فيها حُروفَ الشعرِ وأسئلةَ المكانِ إلى دائرةِ خلوتِكَ الشعريةِ. أسئلةٌ مفتوحةٌ على احتمالات الحياة في تناقضاتها المستمرة، وسطوتها الماكرة، في دفئها وشتائها، في عبثيَّتِها وجنونها.
وأنا أقلِّبُ ديوانَكَ الشعريَّ متأملاً قصائد ظلَّتْ عالقةً في سماء الشعر العربي كـقصيدة "لعَيْنَيْ أمِّ بلقيسٍ" وقصيدة "من منفى إلى منفى" وقصيدة "فلسفة الجراح"، وقصائد أخرى طالما وقفْتَ فيها مع قضايا شغلَتْ بالكَ سنينَ طويلة، قضايا الإنسانية في المقام الأول والكرامة والفقر والحرية. تأملتَ الحياة اليمينة فكانت بصيرتُكَ النورَ الذي يقودك إلى ميادين الحياة، وساحات الوطن. كتبتَ عن "ليالي الجائعين" فكان تعبيراً يعزِّزُ قيمة الوجود الإنساني في تكاتفه، تعبيرا أطلقتْهُ بصيرةُ شاعرٍ تأمَّلَ حال الشعب، فوصف الثراء مقابل الفقر، والشبع مقابل الجوع، والطبقية في كل تجلياتها حين قلت:
يا ليلُ، من جيرانُ كوخي؟ من همُ
الجائعون الصابرون على الطوى
الآكلون قلوبهم حقداً على
الصامتون وفي معاني صمتهم
ويلي على جيران كوخي إنهم

 
مرعى الشقا وفريسة الأرزاءِ
صبر الرُّبا للريحِ والأنواءِ
ترف القصورِ وثروةِ البخلاءِ
دنيا من الضجّاتِ والضوضاءِ
ألعوبةُ الإفلاسِ والإعياءِ

وكما كتبتَ عن تلكَ المشاهد أظنُّ روحَكَ اليومَ تتنقَّلُ في أرجاء اليمن ضاجةً بأناشيد الخلود والحرية والحياة، ناظرةً إلى الموت في عنفوانه وهو يختطفُ أجمل ما في الأرضِ. وكما كانت حروفُكَ المشعل الذي اهتدى به أهل اليمن في تاريخ كفاحهم، فهي الأمل الذي يتعلّقُ به اليمنيُّ، فأراكَ تنفضُ عنك ترابَ رحلتكَ الأبدية متجلياً لشعب اليمنِ زارعاً بيدهم شجرة الوئام والخلاص.
إنَّ ما تناقلَتْهُ وسائلُ الإعلامِ من أنّ اليمنَ يواجهُ أكبرَ مأساةٍ إنسانيةٍ في العالم، وذلك على لسان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (ستيفن أوبراين) الذي أشار أيضا إلى أنَّ ثلثي الشعب اليمني في حاجةٍ إلى مساعدات، يجعلنا جميعا كعربٍ نعيشُ مرحلة تاريخية من الإطراق والهوان، مرحلة تمرُّ بها الأرضُ التي انحدرتْ منها أغلب القبائل العربية، مرحلة تتمثل في أزمةٍ تجعل من سكّانها يبحثون عن قوتهم في حاويات القمامة، إنها لحظة أليمة في تاريخ العرب الحديث.
حتما لقد عشتَ هذه المأساةَ بكل تجلياتها، ونظمتَها شعراً، ووصفتَ سطوتَها على الإنسان، وربما يكون ما قمتَ به أبلغ وصفٍ لما مرَّ باليمن وتاريخها وامتدادها الجغرافيّ، فقد شكَّلَ الشعرُ لديكَ سلاحاً واجَهَ الفقرَ والموتَ والمرضَ والطغيانَ، فكنتَ تواجهه متسائلا:
لماذا ليَ الجوعُ والقصفُ لكْ؟

 
يناشدني الجوعُ أن أسألكْ

 
وتحاكم الظلمَ قائلا:
أيا من شبعتُم على جوعنا
ألم تفهموا غضبةَ الكادحينَ

 
وجوعِ بنينا. ألم تتخموا؟
على الظلمِ لا بدّ أن تفهموا


 
سيدي البردُّوني
وكما أنَّ المأساةَ متصاعدةٌ فينبغي أن يكون الشعرُ مستمراً في مواجهته لها، فصوتُ الشعرِ أقوى وأبلغ من أصوات العابرينَ على جراحِ الإنسانية وآلامهم وأحزانهم. وهذا وجدي الأهدل كتبَ مقالاً قبل عامٍ تقريبا في العدد (101) لمجلة الدوحة عنوانه: (تاريخ طويل من الجوع)، يرى من خلاله أنَّ مشكلة اليمن مشكلةٌ مزمنة في إشارة إلى الجفاف الذي أحاط باليمن في تاريخها الطويل وما رافقه من صراعات تاريخية ممتدة، وكنتيجة لما آلت إليه تلك الصراعات ما ذكره: "ربما تضمُ اليمن في وقتنا الحاضر أكبر عدد من الجائعين في العالم! أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي ذكر أنَّ (21) مليون يمني بحاجة ماسة إلى الغذاء والملجأ والرعاية الصحية ومياه الشرب. وبلغ عدد المشردين حوالي (2.5) مليون شخص، وقدر عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بحوالي (3.4) مليون طفل".
أيها العازف على أنغام الكلمة، ألا تغريك كلُّ تلك المعطيات لتفتتح قاموس الشعر الذي بين يديك، وتقرأ لهذا العالم النائم بين أحضان الفوضى بيتَ شعرٍ؟ لقد مررتَ على شوارع صنعاء وعدن وحضرموت وإب وتعز ومأرب فلم تخطئ مفرداتُكَ ما كنت ترمي إليها. تلك الشوارع لم تعد كما عرفتَها يوما ما، لم تَعُدْ تسمع خطى أبنائها، ولا تختصرُ المسافةَ بين جارينِ، نسيَتْ ما كنتَ تقولُهُ ذات لقاء، هل تغيَّرتِ المفرداتُ أم تبدَّلتِ القلوب والوجوه؟
 
أخيراً..
لعلّك في مجلسكَ الأخيرِ تُكثرُ من قراءة قصيدة (أبو تمام وعروبة اليوم)، ولو حَدَثَ وقابلتَ أبا تمام في مكانٍ ما هناك فإنك ستُكملُ له الملحمة العربية الخالدة. وكل ما لم يره أبو تمام في زمانه ستكتبه له صدّقَ ذلك أم لم يصدق، ولكنني أجزم أنك ستحذف الشطر الأخير من قصيدتكَ: (إنَّ السماءَ تُرَجَّى حين تَحْتَجِبُ).
 
 

قراءة نقدية في ديوان مخطوطة عشق 30/1/2017





المعشوقةُ واحدةٌ والرموزُ متعددةٌ

قراءة نقدية في ديوان "مخطوطة عشق" للشاعر "خالد المعمري".

                                                د. أحمد علواني

صدر حديثًا عن بيت الغشام ديوان بعنوان: "مخطوطة عشق" للشاعر: خالد المعمري 2017 ولعل المُطالع لغلاف الديوان سيلحظ أن تصميمه جاء برومانسية شعرية، فثمة زهرة وردية ندية تتسع لتغطي الخلفية، ويتجلى بخط أسود بارز هذا العنوان الملفت: "مخطوطة عشق"، ولعل شكل الغلاف وطبيعة اختيار العنوان يجعل ظن القارئ لا يخرج عن التفكير في أنه مقبلٌ على تناول وجبة شعرية رومانسية، بمعنى أن خواطره الأولية ستدور حول التعايش مع تجربة شعرية لعاشق ولهان يبث في ديوانه أفراحه وأتراحه، أو يبوح في شعره بمواجعه ومواجده، أو يفصح عن شكواه ونجواه، أو يعبر بقصائده عن إرهاصات العاشقين المرهفة، وما يعتمل بداخلهم من مشاعر العشق الحارقة والمؤرقة... ولكن ما إن يبدأ القارئ في الولوج إلى المتن حتى يجد نفسه أمام تجربة عشقية من نوعٍ آخر؛ إنها تجربة الشاعر العاشق للكلمة، والمقتفي أثر القافية، والباحث عنها والمتفاعل معها، وكأنها هدفه الذي يطوف من أجله؛ ليظفر به، ويرتحل لاصطياده:

"آتيكَ، مَعْنى خَالطَ الأفكارَ

لَو تَخْطُو على أَقْدَارِهِ،

لأتَتْكَ أَخْيِلَةٌ، وَنَادَتْكَ القَصِيدَةُ

مِثْلما الأَرْواحُ كُنْ،

كَحُلْمٍ يَشْتَهِي جَسَدَ الحَياةِ إذا أَرَدْتَ

فإنَّكَ المحكيُّ مِنْ لُغَةِ الشَّتات"... ص11

إن شتات العاشق ليس شتاتًا من أجل الظفر بالمرأة؛ وإنما شتات فكري لا جسدي، حيث يمتزج العاشق بفكره ليحصل على قدره/قصيدته، وعليه أن يجتهد في إعمال خياله حتى تناديه معشوقته/قصيدته كَحُلْمٍ يتحول إلى حقيقة بعدما تجسدت أفكاره وأخيلته فصاغت معشوقته/قصيدته.

يظل الشاعر العاشق هائمًا على وجهه في صحراء الفكر، تائهًا بعقله، باحثًا عن صيده في متاهات الصحراء القاحلة، يلوح له الماء فإذا اقترب منه وجده سرابًا، إنه يخطو على رمال متحركة غير ثابتة ليُرسخ قدميه فتنزلق دون جدوى، وقد صرح الشاعر بهذه المعاناة عندما شبه حاله في البحث عن معشوقته/القصيدة قائلاً:

وَكَأَنَّني ما كُنْتُ إلا ذلكَ البَدَويَّ

حينَ تَجُرُّهُ الصَّحْراءُ نَحْوَ قّصيدةٍ رَمْليَّةٍ.

أَلْقَيْت وَجْهَكَ في مَهَبِّ دُمُوعِنا

فإِلامَ هذا النَّوح؟!

كَمْ تَحْتاجُ منْ عَطْشى لتُدْرِكَ أنَّ ماءَكَ وِجْهَةٌ لِلْمِوْتِ

والصَّحْراءُ يَسْكُنُها الذُّهُول!!... ص12.

ومن الملفت للنظر أن القارئ سيجد نفسه أمام زخم من التساؤلات المتشابكة والمؤرقة في آنٍ واحد، وما القصائد الشعرية إلا مقاطع من سيرة عاشق للقصيدة لا للمرأة، حيث يمتزج السردي بالشعري، وتتداخل الأجناس الأدبية، وتتجلى لنا كتابة عبر النوعية؛ إذ يمتزج الشعري بالسردي على مدار الديوان، وهذا الامتزاج يدفع القارئ إلى التساؤل؛ هل هو أمام سير شعرية أم سير سردية؟ ويتأكد صحة هذا التداخل من عناوين القصائد، فنقرأ مثلاً: (سيرة الخطيئة، سيرة التوبة، سيرة المغفرة، سيرة العفو)

تتجلى في قصيدة "سيرةُ الخطيئة" رمزية فنية، حيث تظهر القصيدة بوصفها رمزًا للمرأة المعشوقة، التي أخطأ الشاعر/العاشق عندما رمى بنفسه في حُضْنِها، فالقصيدة أشبه ما تكون بالمرأة التي أغوته فارتمى في حضنها صامتًا، فإذا يجد حضنها سرابًا، فقد انفلتت منه وتبعثرت كتبعثر الرمل، وهنا ينادي الشاعر:

يَا رَمْلُ مَنْ فِينا سَيَبكي جرحَهُ

وَقَصَائِدُ الآتِيْنَ كَيْفَ نَلُمُّ مِنْها؟.... ص18.

يحاول الشاعر العاشق أن ينقل للقارئ حالات عشقه، ومعاناته مع معشوقته/القصيدة؛ هذه القصيدة الرملية تارة، والمائية تارة ثانية، والحجرية تارة ثالثة، لقد شبه حاله بالبدوي في متاهة الصحراء يبحث عن معشوقته/قصيدته ولكنها معشوقة رملية تنسرب من بين يديه وتتناثر كتناثر الرمل، ثم يشبه حاله بالبحار الذي يُبحر في سفينته باحثًا عن معشوقته/قصيدته في بحر متلاطم، ولكنه يفقد الخرائط والبوصلة وتتحطم الأشرعة وهنا يصرح قائلاً:

آمَنْتُ أنَّ البَحْرَ لا يَهَبُ الحَيَاةَ قَصِيْدَةً... ص21

وهكذا يقرر الشاعر العاشق أن يكتب قصيدته على الحَجر ولكنه يفقده أيضًا ويظل يبحث عنه في جدران البيت فلا يجده. وتتحول القصيدة/ المعشوقة إلى أُحجية أو شيء مُلِغز، تتعدد وجوهه، ويقف العاشق عاجزًا أمامه، حيث تتماهى القصيدة/المعشوقة مع الغيم الذي يحاول الشاعر العاشق أن يعتصره، وتمتزج المعشوقة مع الريح لتنشر عطرها المُغوي للعاشق، وتبدو المعشوقة في صورة تفاحة آدم المغوية، ولا تقتصر رمزية القصيدة على هذه الرموز فحسب، حيث تتجسد في رموز أخرى متعددة، إنها: (حُلم، سراب، أغنية، وردة، صفحة بيضاء، حجر، صدى لصوت، دم، حب قُبلة، أُمنية، موت، حياة، بحر، رمل، نور، بذرة، نار، حرب، عطر وطوفان...). إن ديوان مخطوطة عشق يجسد حالة من المعاناة للشعراء العاشقين والمتعبين في بحثهم عن القوافي وكيف تؤرقهم، إنه الهم الممتع، بمعنى أن العاشق مهمومٌ بمعشوقته وكذا الشاعر مهمومٌ بقصيدته وبالأخير يمكن وصفها بــ: متعة الهم .. هم المتعة.