ما قصةُ ذلك الجبل المنزوي غرب منطقة فلج القبائل بولاية
صحار والمعروف بجبل "غُرابة" (1)؟!.. منذ الصغر ونحن نسمع الحكايات عن
مكانه، حكايات المغيبين والسحرة، كل من مات مسحورا يقول الناس إن السحرة تحمله ليسكن هذا الجبل. أساطير وقصص دارت بها ألسنة كبار السن، كنا ننظر لهذا الجبل نظرة
رعبٍ وقلق.. كلما أبصرته أعيننا تساءلنا عن عدد المغيبين المسجونين داخله..
تاريخيا يبدو أن لهذا الجبل تاريخا عريقا، هذا ما تشير
إليه كتب التاريخ والرحلات، فقد ورد في كتاب (الخليج بلدانه وقبائله) للضابط/الرحالة
صامويل مايلز الذي زار صحار عام 1875م واتجه منها إلى البريمي عن طريق وادي الجزي(2)
: "أن الحاكم الفارسي مرزبان (وهو أول حاكم فارسي على إقليمي عمان والبحرين)
واسمه (دافيروز هاشمشغان) أنشأ له قصراً في جمسترد التي تحولت إلى مدينة
للفرس". إلى أن يقول: "بأن الفرس أقاموا عاصمتهم في جمسترد، وهي منطقة
قريبة من صحار، واتخذوا منها المركز الرئيسي، وتعرف هذه المنطقة الآن بجبل غرابة
أو فلج السوق، ولا تزال آثارها باقية". (3)
إن ما جاء به مايلز يدل دلالة كبيرة أن المنطقة التي
يقطنها جبل غرابة هي منطقة تاريخية ينبغي الغوص في أعماقها لاستكشاف البعد الحضاري
والتاريخي لهذه المنطقة التي تمثل التاريخ العماني..
والآن كلما مررتُ بطريق وادي الجزي ونظرت إلى جبل غرابة،
لم تعد التساؤلات المملوءة أساطيرا وخرافة تتصارع داخلي، إنما أنظر نظرة ملؤها
التاريخ، تاريخ يحكي قصة هذه الأرض، والتي على إثرها ظل هذا الجبل موضع الحكايات
وسيظل موضع البحث والدراسة والتحليل..
(1) هناك أكثر من جبل يحملُ
نفس الاسم، منها جبل في السعودية وجبل في اليمن، وربما لا توجد دلالة على المسمى
باستيطان بشري سابق. ما أعتقده أن التسمية لها بُعد غرائبي متعلق بالأساطير
والحكايات التي تدور على ألسنة الناس، أو بالتكوين الشكلي لهذا البناء.
(2) انظر (مدخل إلى أدب الرحلات
في عمان دراسة وصفية للرحالة البريطانيين 1626- 1970م) للدكتور هلال الحجري، مجلة
نزوى، الرابط الإلكتروني: http://nizwa.com/print.php?id=2933
(3) راجع كتاب (الخليج
بلدانه وقبائله) لصامويل مايلز، سلطنة عمان: وزارة التراث القومي والثقافة، الطبعة
الثالثة، 1986م، ص47