الأحد، 2 مارس 2014

مختارات (3): قمر العارفين لحسن المطروشي




قصيدة قمر العارفين

حسن المطروشي(1)

 


ينامُ لنومِ الدجاجِ

ويصحو مع الديكِ

زَبْعَرُ(2)

يصغي لعابرةِ الطيرِ

تغدو خماصاً،

فَيَهْمسُ:

ـ ليتَ الفتى حَجَلٌ

يتَسلَّلُ في غابةٍ أو غيابْ

 

فليسَ يقيناً مُروري،

ولسْتُ أشُكُّ بأنَّ مثولي ضبابْ.

 

يغِطُّ وقد خَبَّأَتْه النجومُ،

ستُلْقي عليه الصواري تعاويذَها،

وحْدَها القبّراتُ ترافقُهُ راحلاً في المرائي

وتفْقدُه في الإيابْ

 

وفي برهتينِ،

كما يفعل الحكماءُ،

يُقَسِّمُ فاتورةَ اليومِ:

*حَقٌّ لِذاتِهْ

 
* وحَقٌّ لِشاتِهْ

 

* وحقٌّ لسابعِ جاراتِهِ،

لوْ أشارتْ إلى الريحِ

أنْ بدِّديهِ،

يخِرُّ صريعاً على ظلِّها:

ـ قَدْ أَضَعْتُ على بابِكُمْ لُغَتي والعصا.

ـ 'يا شقيُّ' تناديهِ،

أعْذَبُ ما يشتهي من صفاتِهْ

 

* وحقٌّ لسوطِ أبيه،

كعجلٍ حنيذٍ،

يعَنِّفُه في المجالسِ مُبتذِلا،

أو تحرَّشَ في طيفِ عابرةٍ،

أو أَخَلَّ بشرطِ الخشوعِ

وأربك 'خُطّارَهم' في صلاتِهْ

 

سيسبق 'خَشَّابَةَ' الفجرِ للبحرِ،

تسحرُهُ الفُلْكُ

آلهةً قد ظلَلْنَ رواكدَ،

يجْمَعُ ما نسيَتْهُ طيورُ الموانئِ والراحلينَ،

يلُمُّ نعاسَ السواحلِ في صدفاتٍ،

ويلْمَحُ في الماءِ أسماءَه

وسماواتِه وسماتِه

 

وما كان زبْعرُ

إلا أخاً للقناديلِ

وابْناً لسوسنةٍ في المراعي،

يُعين النساءَ

ويقْضي حوائجَ جيرانِه في النهارِ،

يُتِمُّ الغناءَ إلى الليلِ

حتى تملَّ القطاةُ،

 

ويُمْسي طريحاً

كما يتهاوى البعيرُ على نزواتِهْ

 

هو العبثيُّ الحزينُ

زعيمُ الأزقَّةِ

يَقْرِضُ شِعراً

ويقْترِضُ الخبزَ،

تدعوه بعضُ العجائزِ (صنّاجة الحيِّ)

يهجو شيوخَ القبيلةِ والأثرياءَ،

يصوغُ التمائمَ للعاشقاتِ،

يبُحْنَ لديه بأسرارِهنَّ

وأخبارِهنَّ

يُسَمّينَهُ (قمرَ العارفين)

 

وَشَتْ أُمُّهُ لأبيهِ:

ـ أمَا شَبَّ زبْعرُ؟

أَرْسِلْهُ يرْتَعْ ويَلْعَبْ.

ـ سيأكلُهُ الذئبُ والطرُقاتُ،

وإني لَيَحْزُنُني

أنْ يعودَ قميصُ حماقاتِه مِزْقَتَيْنِ.

ستبْعثُه أمُّه بالبخورِ مساءً

إلى جارِهم في الضريحِ:

ـ تبَرَّكْ بِتُرْبَتِه يا بُنيَّ،

وليٌّ من الصالحينْ.

 

له قمرٌ في البلادِ

سيرْقبُ 'طارِشَه' بالرسالةِ،

يفْتَحُها ويبسملُ،

ثم يصلي:

ـ سلامٌ على المرسِلين

 

سلامٌ على الهيلِ

والآسِ والزعفرانِ

 

 

سلامٌ على عتبِ الياسمينْ

 

سلام عليّ ..

مسيرةَ مائةِ عامٍ

أسوقُ إلى روضةِ الكلماتِ خيولي،

الخيولُ حدودُ الصهيلِ،

الصهيلُ حدودُ الجهاتِ،

الجهاتُ حدودُ الظنونِ،

الظنونُ حدودُ المنازلِ،

والعابرون حجابُ المحبةِ،

أوقَفَني الحُبُّ..

أوقفني في الشهودِ،

وخاطبني في الفناءِ، وقال:

ـ سلامٌ على خاتمِ العاشقينْ

 

 

سـتَنْطقُ في حَيِّنا نَخْلة:ٌ

هـنا اتَّكَأ الولدُ العاشـقُ

هنا اختلستْ نومَه نجمةٌ

وأرَّقَـه قمـرٌ غـارقُ

يمرُّ، وتشهقُ أبوابُـهم

كسَرْتَ المدى أيها الطارقُ

فما شهدتْ شمسُهم هكذا

حيـاةً يبعثـرها مـارقُ

سيكْفيه من رمْلِهم خطْوتين

ليبـكي فيتـَّضح الفـارقُ

 

 

سيلْبسُ 'طاقيَّة' القطنِ

منذ الصباحِ،

يسايرُ ركبَ الرعاةِ،

يلامسُ جوعَ الرعيَّةِ،

 

 

 

يمشي وراءَ الجنازةِ،

يسألُ عن مَوئلِ المَيْتِ:

في النارِ أمْ في رمادِ المراثي؟

 

يسيرُ ....

يسيرُ ....

يسيرُ وراء هتاف الجنازةِ،

يهمس:

ـ ليسَ يقيناً مُروري

ولسْتُ أشُكُّ بأنَّ مثولي الكنايةُ.

يترك للطرقات خطاه،

ويرمي أناشيده للشواطئ،

منكسراً يمتطي رعشتين،

ويدخلُ في ظلماتٍ ثلاثِ....

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حسن المطروشي، قمر العارفين، سلطنة عمان:ملحق أشرعة بجريدة الوطن، 12 مايو 2009م.

(2) شخصية من التراث الشعبي العماني، لاسيما في ولاية شناص وشمال الباطنة، وهو أشبه بالبهلول في الأدب العربي، تحكى عنه الطرائف والأمثال، لسذاجته ومخالفته لأعراف المجتمع. (المؤلف)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق