الخميس، 15 أكتوبر 2020

كتاب: أكتب لكم من طهران

 

 

تأخذنا الصحفية دلفين مينوي الفرنسية الجنسية الإيرانية الأصل إلى قلب الحياة الإيرانية والمجتمع الإيراني، والتفاصيل الإيرانية الملتبسة بكثير من الهموم والصراعات والقلق من خلال كتابها (أكتب لكم من طهران).

تقدم الكاتبة في كتابها هذا صورة داخلية للصراعات السياسية من خلال رسالة تبعثها إلى جدّها المتوفى في باريس، والذي هجر بلاده بعد الثورة الإيرانية 1979م والتي أطاحت بحكم الشاه الإيراني. يأتي الكتاب في هيئة رسائل تبعثها إلى جدها، ورسائل تبعثها للقارئ في كل مكان من العالم، رسائل محملة بالواقع الذي تعيشه البلاد بعد الثورة، وحكم الخميني، وبعده خامنئي.

من العنوان ينبش الكتاب في واقع مختبئ بين السلطة والأحزاب التي تعارضها، حيث إن الكتابة في مجملها فعلٌ خطرٌ لا سيما إن كان حول تجربة وواقع مأساوي تحاول نقله للعالم. وعندما تشير دلفين مينوي إلى ذلك بعبارتها (أكتبُ لكم من طهران) فإنها تؤكد على المجازفة بفعل الكتابة الملغم بالأخطار من قلب العاصمة الإيرانية طهران، فنجدها تسرد حكايات الثورات والأحزاب المعارضة مع الأمن الإيراني، والحرس الثوري، كما إنها تنقل صورة قاتمة للشعب الإيراني في يأسه وتفاؤله وطموحه للحرية والتغيير.

إنّ الكتاب الذي قدّمته الكاتبة في (337) صفحة كتاب ذو سرد حزين، يضجُّ بالآهات التي تكتظُّ بها صدور الشباب، كتاب صادر من صحفية جريئة يهمها في المقام الأول بلدها وتاريخه ومستقبله. فأكدت على نقل ما صوّرته عدستها الخاصة إلى القارئ في كل مكان. إيران في نظر دلفين مينوي قطعة من الجمال والتاريخ، ولكنه جمال غائب عن المشهد العالمي، وتاريخ ينبغي أن يُقرأَ ويعاد استلهامُه مرة أخرى، لذا تقرر الكاتبة العودة إلى بلدها بعد سنوات من هجرتها لها مع والدها، تعود للبحث في جماليات هذا البلد، وفي تاريخه، تعود مستلهمة طفولتها، وذاكرتها المكانية، وشغبها في بيت العائلة رابطة ذلك بذاكرة جدها وأبيها في المشهد السياسي الإيراني.

تنقل الكاتبة في كتابها الكثير من الأحداث السياسية التي عاشتها في إيران، من الثورات الطلابية، وأخبارها الصحفية التي كانت تحررها للصحف الخارجية، وتعامل الأمن الإيراني معها ومع غيرها من الصحفيين. كما تنقل صورة للمجتمع الإيراني والإنسان البسيط، والحياة التي تكدرها في أحيان كثيرة المشاهد السياسية المختلفة. لقد حاولت نقل الحياة الاجتماعية خارجا حتى إنها تقول في إحدى صفحاتها: "اجتهدتُ في كسر الصورة النمطية للمرأة الصحافية المجرّدة من حرّيتها. حتى أنني استطعت إقناع رؤساء التحرير في باريس بأنّ هناك قضايا أخرى غير قضايا الذرة الإيرانية، قلت لهم إننا قبل أن نهتم بالقنبلة الذرية، علينا أن نراقب القنبلة الاجتماعية، كل هؤلاء الشباب، النساء والمثقفين". (184)

إن القارئ للكتاب سيجد أن الشخصيات الواردة فيه من المؤلفة إلى غيرها تعيش حالة من القلق والصراع النفسي داخل العمل الكتابي، هذا القلق أو الصراع مردّه الصدام بين السلطة وبين الشعب، فانعكس أثره على الشخصيات التي ظلّ الموت يدور في محيطها، والقهر يتناوب على ذاكرتها، وحين نقلت الكاتبة صفات شخوصها كانت ترسم لنا شيئا من دواخلها المكسورة بدءا من جدها وجدتها ووالدها إلى كل شخصية أخرى مثل بورزو وفاطمة وسبيده وعلي منتظري وسارة وندى الشهيدة وعلي جعفريان قائد أوركسترا شيراز وموسى بابا تاجر التحف اليهودي وغيرهم كثيرون ممن نقلت الكاتبة معاناتهم لنا، وهي التي نسيت الحياة ولذتها معها حين كانت هذه المشاهد تتكرر أمامها، ألم تقل هي مرة: "أنساني تراكم الأكفان المعنى الحقيقي للحياة". (333)

يبقى هذا الكتاب تحفة أدبية خالدة قدمته الصحفية دلفين مينوي ليكون شاهداً على فترة تاريخية من تاريخ إيران الحديث، على أن يبقى وثيقة أدبية للقراء والمهتمين بأدبيات وتاريخ الدول.