الجمعة، 27 يناير 2012

مبادرة (مدينتي تقرأ)


شاركتُ الأربعاء الماضي في أمسية شعرية بولاية الرستاق نظَّمتْها جماعة خاصة بالولاية تعمل على تبنّي مشروع القراءة تحت اسم (مدينتي تقرأ). هذا المشروع هو استمرارٌ لسنة ثانية حافلة بالقراءة في الولاية.

أُعْجِبْتُ كثيرا بهذه المبادرة؛ فالقراءة المصباح المنير في عالم انطمستْ فيه كل معالم الرؤية، في عالمٍ طغت فيه المغريات الإلكترونية حتى عملت على شللٍ كاملٍ لعقولنا. العالمُ بأسرهِ -إلا القليل- صاروا يهتمون بالقراءة والكتاب. هذه المبادرة أعادت شيئا من الروح في العقول، العقول التي تغشّاها الصدأ، كم أعجبتُ بالاهتمام بالكتاب، وما أجمل أن تذهب إلى المستشفى أو صالون الحلاقة وفي لحظة الانتظار تجد أمامك مكتبة صغيرة تضم مختلف الكتب، لتمدَّ يديك وتتصفح كتابا، إنها لحظة تمر دون أن نحس بها، تسرق منا الكثير من الوقت، لحظات تضيع هدرا.

لقد ذكرتني هذه المبادرة بلحظات سابقة لي، وأنا أذهب لمراجعة المستشفى أو أي مكان أجلس فيه منتظرا، كنت أجلس أحدِّق في وجوه المارين، وبعد أن قررت أن أحمل كتابا معي صارت اللحظات تسرقني ولا أحسُّ بالوقت وهو يمضي، في البداية كنتُ أخجل أن أحمل معي كتابا فالكل كان ينظر إلي، لكن الآن صار الأمر معتادا، والكتاب في يدي، وسرعان ما أندمج مع أوراقه وفصوله، صرتُ أنهي كتبا كثيرة وأقرأ بصورة مستمرة.

أحيي الزملاء القائمين على هذه المبادرة، أحييهم على رغبتهم الكبيرة في تنمية القدرات العقلية للفرد، فالقراءة تعمل على تنشيط الذاكرة وتنمية قدراتها. فألف شكر لهم على هذه المبادرة الجميلة.. وأرجو أن تستمر مبادرتهم وتنمو وتزدهر.

السبت، 21 يناير 2012

كتاب: رحلة إلى مسقط عبر الخليج



من الكتُبِ التي أنهيتُ قراءتها مؤخراً كتابُ (رحلة إلى مسقط عبر الخليج) لماكس أوبنهايم، والذي من خلاله يصف الكاتب رحلةً قام بها من البصرةِ إلى مسقط. والكتاب في مجمله هو جزء من كتاب بعنوان (من البحر المتوسط إلى الخليج) للمؤلف ذاته.

وصف الكاتب انطلاقته من البصرة مرورا بالعديد من المناطق في الخليج العربي كالمحمرة، وبوشهر، ولنجة، وبندر عباس، وكشم، وهرمز، حيث قام المؤلف بوصف هذه المناطق مع ذكر بعض الحقائق المتعلقة بها والتي استمدها من بعض السكان أو المسؤولين هناك.

الكتاب ينتمي -رغم قصره- إلى أدب الرحلات، والتي قام بها العديد من الرحالة والضباط والمستشرقين لا سيما في عمان من أجل استكشاف طبيعة وتراث هذا البلد الكبير، وأذكر هنا الضابط (مايلز) الذي له العديد من الكتب والرسائل حول تاريخ وتراث عمان منها على سبيل المثال (الخليج العربي بلدانه وقبائله).

من ملاحظاتي على الكتاب:
1- لم تقتصر الرحلة على الوصف فقط، بل حاول المؤلف إدراج مجموعة من الحقائق التاريخية المستقاة من كتب وتقارير سابقة أو من خلال المعلومات التاريخية التي جمعها من ذاكرة الناس والمسؤولين.

2- هناك بعض الأخطاء في تدوين أسماء بعض المناطق أو الشخصيات، وهذا راجع إلى المترجم أو المحقق في نقله لتلك الأسماء.

3- عند الحديث عن مسقط، خرج المؤلف من كون كتابه في فن الرحلة إلى كتاب تاريخي جمع فيه تاريخ عمان، منذ مالك بن فهم مرورا بالدول التي تعاقبت على حكم عمان انتهاء بالدولة البوسعيدية، حاول من خلالها جمع الأحداث التي وقعت في تلك الأيام.


الكتاب: رحلة إلى مسقط عبر الخليج
المؤلف: ماكس أوبنهايم
مراجعة وتدقيق: محمود كبيبو
دار الوراق- بغداد
الطبعة الأولى 2007م

الخميس، 19 يناير 2012

المعري في نونية الإمام القحطاني...


من الشعراء الذين اختلفت حولهم الآراء في الأزمان السابقة أبو العلاء المعري، شيخ معرة النعمان، الشاعر الأديب اللغوي الفيلسوف الذي دارت حوله الاتهامات في عقيدته، ورُمِيَ بالزندقة، حتى عُدّ واحدا من زنادقة الإسلام كما جاء: (زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراواندي، وأبو العلاء المعري، وأبو حيان التوحيدي).

ولكن التهم حول أبي العلاء كانت متضاربة، فمن الرواة من أكد التهم ومنهم من رفضها، والمعري نفسه دافع عما يقال عنه في مواطن كثيرة وردت في مختلف التراجم، وأقطع ما دافع به عن نفسه هو (أنا شيخٌ مكذوبٌ عليه).

لقد جاءت التراجم التي تتحدث عن شيخ معرة النعمان كثيرة، وقد تناولت هذه التراجم سيرته في عديدٍ من الصفحات، تفاوتت سيرته لديهم طولا وقصرا، مدحا وذما. ومن أقدم النصوص التي تناولت ذكرَ أبي العلاء نونيَّةُ الإمام القحطاني رحمه الله، حيث تناولت ذكرا يسيرا لأبي العلاء المعري وطلابه حين قال في أحد المواضع:

تَعِسَ العَمِيُّ أبو العلاءِ فإنه
قد كان مجموعاً له العَمَيَانِ
ولقد نظمتُ قصيدتين بهجوه
أبياتُ كلِّ قصيدةٍ مائتانِ

ووصفه ووصف طلابه في موضع آخر بقوله: (كلاب كلبِ معرة النعمان). إن المتأمل لنونية القحطاني يجد أنها نظم شعري في الفقه والعقيدة والأخلاق وطلب العلم وغيرها. ولقد اختلف كثيرا في نسبة النونية للإمام القحطاني، فلم يتناول أي ممن شرح النونية ترجمة القحطاني، ووقف البعض عليها من خلال بعض من الكتب التي تناولت الترجمة بصورة مبسطة، ولكن الكثيرين يرون تداخلا في ترجمته وغموضا. تقول ترجمة الإمام القحطاني أنه ترك إضافة إلى النونية كتابا يضم تاريخا لأهل الأندلس، وهذا الكتاب مفقود إلى الآن، أضف لذلك القصيدتين اللتين ذكرهما القحطاني نفسه في هجاء المعري والتي قد يصل طولها إلى مائتين، حيث لم يقف الرواة على هذين القصيدتين، ولم تتناولها أي من كتب التاريخ؛ وهذا دليل على ضياع مؤلفات هذا الإمام.

 

إن الاختلاف الكبير في نسبة النونية للإمام القحطاني وغياب ترجمة ناظمها وأعماله رغم شهرة النونية مما جعل الإمام ابن القيم يستشهد ببعض أبياتها في نونيته، جعلنا نعيد قراءة هذه العلاقة بين الناظم والنظم. فالنونية تشير إلى أن الناظم قد خالط طلاب المعري بمعرة النعمان (خالطتهم حينا فلو عاشرتهم..)، وفي الموضع الآخر (ولقد نظمتُ قصيدتين بهجوه) يدل على أنه عاصرهم في هذا التاريخ، في حين أن الترجمة ومن خلال تاريخ وفاة القحطاني تدل على أن أبا العلاء كان في سن الحادية عشرة على أقل تقدير، وهو السن الذي بدأ فيه بنظم الشعر، ولم يكن فيه يحمل أي فكر فلسفي. إذ ما تقدّره الروايات أن أبا العلاء هاجر من المعرة في طلب العلب في سنٍ بين الثلاثين والخامسة والثلاثين للعراق ولبنان وهناك اطلع على كتب الفلاسفة، حتى إذا عاد لزم بيته وتوافد عليه طلاب العلم من كل فج، وهناك أثيرت حوله الأقوال والتهم.

هذه التواريخ لا تدفعنا لرفض النونية، بل تدفعنا لإعادة النظر في التاريخ نفسه، لا سيما في تاريخ وفاة القحطاني، وولادة المعري، وما تحملان من تواريخ تضمهما حياتهما. لقد ذهب القحطاني مذهب أهل السلف فيما جاء المعري، كابن الجوزي، وسبطه، والإمام الذهبي، وغيرهم من أهل التراجم الذين استعرضوا حياته وشيئا من شعره الذي يدل على زندقته، وورد عند غيرهم من أهل السير كابن الوردي في تتمة كتاب أبي الفداء الدفاع عن أبي العلاء وذكر شواهد تدل على توبته والعودة عما قاله. وهذا ما سأتناوله لاحقا في ترجمة لابي العلاء من كتب السيَر.












الأربعاء، 11 يناير 2012

كتاب: امرأتنا في الشريعة والمجتمع





من الكتب التي لقيت رفضا شديدا في تونس بداية القرن الماضي كتابُ (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) للطاهر الحداد (1899-1935) والذي سعى من خلاله الوصول إلى خطاب جديد قائم على النهوض بالمرأة من براثن الجهل والتخلف -كما يرى-.

صدر الكتاب في عام 1930م، ولقي مواجهة كبيرة ورفضا من قبل المتدينين، وقوبل الطاهر الحداد بغِلظةٍ في المعاملة؛ حتى ألحق به الناس الأذى في القرية والأسواق. يعدُّ هذا الكتاب امتدادا لما عبَّر عنه قاسم أمين بمصر في كتبه (تحرير المرأة)، و(المرأة الجديدة)، فجاء كتاب الطاهر مطالبا بتحرير المرأة وتعليمها والنهوض بها، ورفض رفضا قاطعا ما جاء به الإسلام فيما يتعلق بالمرأة مما جعل الأصوليون يتهجمون عليه ويتهمونه بالزندقة والإلحاد.

يقارن الطاهر الحداد كثيرا بين المرأة التونسية والمرأة في أوربا ويطالب بحرية أكبر لها في تونس على غرار ما تشهده المرأة هناك. كما يرفض الطاهر الحداد تعدد الزواج وإن ذلك من أسباب فشل الحياة وسوء العلاقات الأسرية، بل ذهب إلى رفض فتوى التعدد، وقام بإخراج ذلك من عمل الإسلام، يقول مثلا: "ليس لي أن أقول بتعدد الزوجات في الإسلام لأنني لم أر للإسلام أثرا فيه وإنما هو سيئة من سيئات الجاهلية الأولى التي جاهدها الإسلام طبق سياسته التدريجية. وكان عامة العرب يعددون نساءهم بلا حد لاستعمالهن في خدمة الأرض استغناء بهن عن الأجراء وخدمة البيت، والاستمتاع، وهو ما تشعر به باديتنا إلى اليوم وتعدد نساءها من أجله. فجاء الإسلام ووضع بادئ الأمر حدا أقصى لهذا التعدد. فقال عليه السلام لمن له أزواج:"أمسك عليك أربعا وفارق سائرهن". ثم تدرّج إلى اشتراط العدل بالتسوية بينهن وجعل الخوف من عدم العدل كتحققه كما في الآية:(فاتكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) تحذيرا لهم من عاقبة هذا التعدد. ثم عبّر عن تعذر الوفاء بشرط العدل بينهن مهما بذل فيه من الحرص كما في الآية: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم.) ص64-65. ويقول في موضع آخر: "أما تعديد الزوجات إلى أربع فذلك ظاهرة الشهوة. وحتى إذا كان بقصد النسل فهو لا يخلو من شغب يتحول إلى مقت داخلي بين الرجل وأزواجه أو يظهر الميل إلى جانب -وهو الكثير- فتزداد الحالة ارتباكا." ص154.

لقد طالب الطاهر الحداد في كتابه الكثير مما يتعلق بتحرير المرأة التونسية، ولأن المجتمع التونسي ذلك الوقت يرى في آرائه الكثير من الخروج على الدين جُوبِه بالعداوة والمقاطعة، وعند وفاته لم يمشِ في جنازته إلا نفرٌ قليلٌ وذلك دليل رفضهم لآرائه الخارجة عن أراء الشريعة الإسلامية.

وماذا بعد؟؟

بعد وفاته بأكثر من عشرين عاما، ها هي الحكومة التونسية تتخذ من بعض الآراء التي نادى بها الطاهر دستورا للبلد مثل منع تعدد الزوجات، وغيرها. فهل كان الطاهر الحداد الشرارة التي ألهبت دستور البلاد في تونس؟؟


الكتاب: امراتنا في الشريعة والمجتمع
المؤلف: الطاهر الحداد
تقديم: حافظ فويعة
بيروت: دار الانتشار العربي
تونس: دار محمد علي للنشر

الأحد، 1 يناير 2012

وداعا 2011، أهلا 2012.




عامٌ يُطِلُّ وعامٌ ينجلي. ونحنُ تضيعُ حساباتُنا بينهما، الأعوامُ تجري وكأنها لحظات سريعة مرت علينا كمرِّ السحابِ، ما إنْ نودِّع الأوَّلَ، حتى يداهمنا الثاني بقراراته وأحكامه الثابتة.

رحل عام 2011 ولم يخلف إلا الذكرى، إنها ذاكرة ممتلئة بالأحداث ستظل خالدة يتحدث بها التاريخ، ربما أبرزها الثورات العربية وما خلفته من آراء واجتهادات وفوضى ودمار. لقد سقطت الرموز العربية، وتسيدت الشعوب. سقط نظام حسني مبارك وحزبه بفعل الشعب، وقبله سقط بن علي في تونس، وبعده سقط القذافي سقوطا مدويا، ورحل صالح عن اليمن السعيد، ولا تزال سوريا تحلم بيوم الخلاص.

لقد كان الثورات العربية الحدث الأهم في العام الماضي؛ حيث غطت الثورات على سواها من الأحداث، فلم تظهر غيرها إلا خجولة في أسوار الأحداث ونشرات الأخبار. لقد انشغل العرب بثوراتهم، وإصلاح أوضاعهم الداخلية، وانشغلوا عن أحداث وقعت ثم تلاشت في لمح البصر. لقد انشغل العرب بثوراتهم عن مقتل ابن لادن، فانتقل الخبر كالنار في الحطب، ولم يدر في ذهنهم أن يتساءلوا حتى عن مقتله، وطريقة دفنه، وهل هي حقيقة أم أكذوبة أمريكية، وهل هو قد فارق الحياة قبل هذه الحادثة، كل تلك أسئلة لم تشغلهم عن حوادث بلدهم.

رحلت القوات الأمريكية عن العراق، وكان رحيلها خجولا جدا، إنه الوقت المناسب للحظة، انشغال العرب بثوراتهم، معركة العرب الإعلامية ضد إيران، محاولات إسرائيل للفت النظر إليها في فلسطين المحتلة. رحلت القوات الأمريكية كما رحل عام 2011، ويبدو أنها تريد أن توجه نظرها بعد العراق، إلى إيران، رغبة في عدم الخروج من هذه المنطقة الخصبة.