الأربعاء، 11 يناير 2012

كتاب: امرأتنا في الشريعة والمجتمع





من الكتب التي لقيت رفضا شديدا في تونس بداية القرن الماضي كتابُ (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) للطاهر الحداد (1899-1935) والذي سعى من خلاله الوصول إلى خطاب جديد قائم على النهوض بالمرأة من براثن الجهل والتخلف -كما يرى-.

صدر الكتاب في عام 1930م، ولقي مواجهة كبيرة ورفضا من قبل المتدينين، وقوبل الطاهر الحداد بغِلظةٍ في المعاملة؛ حتى ألحق به الناس الأذى في القرية والأسواق. يعدُّ هذا الكتاب امتدادا لما عبَّر عنه قاسم أمين بمصر في كتبه (تحرير المرأة)، و(المرأة الجديدة)، فجاء كتاب الطاهر مطالبا بتحرير المرأة وتعليمها والنهوض بها، ورفض رفضا قاطعا ما جاء به الإسلام فيما يتعلق بالمرأة مما جعل الأصوليون يتهجمون عليه ويتهمونه بالزندقة والإلحاد.

يقارن الطاهر الحداد كثيرا بين المرأة التونسية والمرأة في أوربا ويطالب بحرية أكبر لها في تونس على غرار ما تشهده المرأة هناك. كما يرفض الطاهر الحداد تعدد الزواج وإن ذلك من أسباب فشل الحياة وسوء العلاقات الأسرية، بل ذهب إلى رفض فتوى التعدد، وقام بإخراج ذلك من عمل الإسلام، يقول مثلا: "ليس لي أن أقول بتعدد الزوجات في الإسلام لأنني لم أر للإسلام أثرا فيه وإنما هو سيئة من سيئات الجاهلية الأولى التي جاهدها الإسلام طبق سياسته التدريجية. وكان عامة العرب يعددون نساءهم بلا حد لاستعمالهن في خدمة الأرض استغناء بهن عن الأجراء وخدمة البيت، والاستمتاع، وهو ما تشعر به باديتنا إلى اليوم وتعدد نساءها من أجله. فجاء الإسلام ووضع بادئ الأمر حدا أقصى لهذا التعدد. فقال عليه السلام لمن له أزواج:"أمسك عليك أربعا وفارق سائرهن". ثم تدرّج إلى اشتراط العدل بالتسوية بينهن وجعل الخوف من عدم العدل كتحققه كما في الآية:(فاتكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) تحذيرا لهم من عاقبة هذا التعدد. ثم عبّر عن تعذر الوفاء بشرط العدل بينهن مهما بذل فيه من الحرص كما في الآية: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم.) ص64-65. ويقول في موضع آخر: "أما تعديد الزوجات إلى أربع فذلك ظاهرة الشهوة. وحتى إذا كان بقصد النسل فهو لا يخلو من شغب يتحول إلى مقت داخلي بين الرجل وأزواجه أو يظهر الميل إلى جانب -وهو الكثير- فتزداد الحالة ارتباكا." ص154.

لقد طالب الطاهر الحداد في كتابه الكثير مما يتعلق بتحرير المرأة التونسية، ولأن المجتمع التونسي ذلك الوقت يرى في آرائه الكثير من الخروج على الدين جُوبِه بالعداوة والمقاطعة، وعند وفاته لم يمشِ في جنازته إلا نفرٌ قليلٌ وذلك دليل رفضهم لآرائه الخارجة عن أراء الشريعة الإسلامية.

وماذا بعد؟؟

بعد وفاته بأكثر من عشرين عاما، ها هي الحكومة التونسية تتخذ من بعض الآراء التي نادى بها الطاهر دستورا للبلد مثل منع تعدد الزوجات، وغيرها. فهل كان الطاهر الحداد الشرارة التي ألهبت دستور البلاد في تونس؟؟


الكتاب: امراتنا في الشريعة والمجتمع
المؤلف: الطاهر الحداد
تقديم: حافظ فويعة
بيروت: دار الانتشار العربي
تونس: دار محمد علي للنشر

هناك تعليق واحد: