الخميس، 19 يناير 2012

المعري في نونية الإمام القحطاني...


من الشعراء الذين اختلفت حولهم الآراء في الأزمان السابقة أبو العلاء المعري، شيخ معرة النعمان، الشاعر الأديب اللغوي الفيلسوف الذي دارت حوله الاتهامات في عقيدته، ورُمِيَ بالزندقة، حتى عُدّ واحدا من زنادقة الإسلام كما جاء: (زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراواندي، وأبو العلاء المعري، وأبو حيان التوحيدي).

ولكن التهم حول أبي العلاء كانت متضاربة، فمن الرواة من أكد التهم ومنهم من رفضها، والمعري نفسه دافع عما يقال عنه في مواطن كثيرة وردت في مختلف التراجم، وأقطع ما دافع به عن نفسه هو (أنا شيخٌ مكذوبٌ عليه).

لقد جاءت التراجم التي تتحدث عن شيخ معرة النعمان كثيرة، وقد تناولت هذه التراجم سيرته في عديدٍ من الصفحات، تفاوتت سيرته لديهم طولا وقصرا، مدحا وذما. ومن أقدم النصوص التي تناولت ذكرَ أبي العلاء نونيَّةُ الإمام القحطاني رحمه الله، حيث تناولت ذكرا يسيرا لأبي العلاء المعري وطلابه حين قال في أحد المواضع:

تَعِسَ العَمِيُّ أبو العلاءِ فإنه
قد كان مجموعاً له العَمَيَانِ
ولقد نظمتُ قصيدتين بهجوه
أبياتُ كلِّ قصيدةٍ مائتانِ

ووصفه ووصف طلابه في موضع آخر بقوله: (كلاب كلبِ معرة النعمان). إن المتأمل لنونية القحطاني يجد أنها نظم شعري في الفقه والعقيدة والأخلاق وطلب العلم وغيرها. ولقد اختلف كثيرا في نسبة النونية للإمام القحطاني، فلم يتناول أي ممن شرح النونية ترجمة القحطاني، ووقف البعض عليها من خلال بعض من الكتب التي تناولت الترجمة بصورة مبسطة، ولكن الكثيرين يرون تداخلا في ترجمته وغموضا. تقول ترجمة الإمام القحطاني أنه ترك إضافة إلى النونية كتابا يضم تاريخا لأهل الأندلس، وهذا الكتاب مفقود إلى الآن، أضف لذلك القصيدتين اللتين ذكرهما القحطاني نفسه في هجاء المعري والتي قد يصل طولها إلى مائتين، حيث لم يقف الرواة على هذين القصيدتين، ولم تتناولها أي من كتب التاريخ؛ وهذا دليل على ضياع مؤلفات هذا الإمام.

 

إن الاختلاف الكبير في نسبة النونية للإمام القحطاني وغياب ترجمة ناظمها وأعماله رغم شهرة النونية مما جعل الإمام ابن القيم يستشهد ببعض أبياتها في نونيته، جعلنا نعيد قراءة هذه العلاقة بين الناظم والنظم. فالنونية تشير إلى أن الناظم قد خالط طلاب المعري بمعرة النعمان (خالطتهم حينا فلو عاشرتهم..)، وفي الموضع الآخر (ولقد نظمتُ قصيدتين بهجوه) يدل على أنه عاصرهم في هذا التاريخ، في حين أن الترجمة ومن خلال تاريخ وفاة القحطاني تدل على أن أبا العلاء كان في سن الحادية عشرة على أقل تقدير، وهو السن الذي بدأ فيه بنظم الشعر، ولم يكن فيه يحمل أي فكر فلسفي. إذ ما تقدّره الروايات أن أبا العلاء هاجر من المعرة في طلب العلب في سنٍ بين الثلاثين والخامسة والثلاثين للعراق ولبنان وهناك اطلع على كتب الفلاسفة، حتى إذا عاد لزم بيته وتوافد عليه طلاب العلم من كل فج، وهناك أثيرت حوله الأقوال والتهم.

هذه التواريخ لا تدفعنا لرفض النونية، بل تدفعنا لإعادة النظر في التاريخ نفسه، لا سيما في تاريخ وفاة القحطاني، وولادة المعري، وما تحملان من تواريخ تضمهما حياتهما. لقد ذهب القحطاني مذهب أهل السلف فيما جاء المعري، كابن الجوزي، وسبطه، والإمام الذهبي، وغيرهم من أهل التراجم الذين استعرضوا حياته وشيئا من شعره الذي يدل على زندقته، وورد عند غيرهم من أهل السير كابن الوردي في تتمة كتاب أبي الفداء الدفاع عن أبي العلاء وذكر شواهد تدل على توبته والعودة عما قاله. وهذا ما سأتناوله لاحقا في ترجمة لابي العلاء من كتب السيَر.












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق