الأربعاء، 22 أبريل 2020

كتاب جوادر تحت السيادة العمانية






يتناول كتاب جوادر تحت السيادة العمانية الفترة الزمنية التي كانت فيه جوادر تابعة للسلطة العمانية إلى وقت خروجها من السيادة العمانية وتبعيّتها إلى حكومة باكستان في عام 1958م. ولقد قدّمت المؤلفة عرضاً تاريخياَ لجوادر منذ وجود البرتغاليين في المنطقة ثم دولة اليعاربة ثم الاهتمام الكبير لدولة آل سعيد بهذه المنطقة بدءاً من السيد سلطان بن الإمام أحمد إلى السلطان سعيد بن تيمور.


كما يقدّم الكتاب لمحة عن منطقة جوادر من حيث موقعها، وتضاريسها، وأهميتها الاقتصادية، وتركيبة سكانها، وأهم الملامح التاريخية التي مرّت بها. ويتبيّن لنا من الموضوع الذي تطرّقت له الباحثة والمعلومات التي وردت فيه أنّ الباحث قامت بجهد كبير في جمع المعلومات من خلال المراجع التاريخية التي عادت إليها لتقديم صورة وافية للمنطقة، أو من خلال الزيارات الميدانية التي قامت بها في جوادر، أو من خلال اللقاءات التي أقامتها لبعض الشخصيات التي عايشت تلك الفترة في جوادر، حتى انتهت لنا بمعلومات تاريخية مكتوبة أو مروية لم تكن لتصل إلينا لولا هذا الجهد.


ورغم الجهد الكبير الذي ظهر جليّاً في الكتاب، فإنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن طبعة الكتاب لم تكن عند ذلك المستوى المأمول، للآتي:

1.   طبعة الكتاب من الإخراج وتناسق الفقرات وتباعد الأسطر سيئة جدا، توحي بأنّ الكتاب قد طُبع قبل ستين سنة أو أكثر وليس عام 2015م.

2.   الهوامش السفلى غير منظّمة، ومتداخلة الصفحات، فالهامش(4) مثلا موجود في الصفحة المقابلة للصفحة التي فيها المعلومة المنقولة، إضافة إلى تراص الهوامش بعضها مع بعض.


وبالحديث عن الهامش فإنه يمكن القول إن الباحثة اشتغلت على الهامش كونه متناً آخر، تقف عليه في كل صغيرة وكبيرة تقدم من خلاله المعلومات التي لم ترد في المتن، وتتوقف مع شخصيات الدراسة بالتفصيل وكذلك الحال مع التفاصيل التاريخية والأحداث والكتب والمراجع، حتى صار الهامش مثقلا بالتفاصيل. إلا إن ذلك لا يلغي الجهد الذي قُدّم بل هو جهد تشكر عليه الباحثة في عرضها للمعلومات والحقائق.


إنّ الكتاب في مجمله وثيقة مهمة لفترة تاريخية من تاريخ عمان، وذا فائدة لكل مهتمٍ بالشأن العماني الداخلي والخارجي، ولمن يتتبع دور الحكومة العمانية لاسيما السلطان سعيد بن تيمور في محاولة الحفاظ على هذا الجزء من السيادة العمانية رغم الضغوطات والمشاكل الاقتصادية التي كانت تحيط به وبالسلطنة تلك الفترة الزمنية.








السبت، 18 أبريل 2020

كتاب: محمد الماغوط.. حطاب الأشجار العالية



محمد الماغوط.. حطّاب الأشجار العالية



عن دار كنعان السورية صدرت هذا العام الطبعة الأولى من كتاب محمد الماغوط.. حطّاب الأشجار العالية وهو على ما يبدو طبعة معدّلة لكتاب (اغتصاب كان وأخواتها). ويشمل هذا الكتاب حوارات مع الماغوط يتحدث فيها عن الشعر ومسيرته الشعرية وعلاقته بجماعة شعر، وعالم السجن الذي شكل مفارقة في حياته الإبداعية.

وفي الحقيقة تستهويني كثيرا كتب السير الذاتية وغير الذاتية لما فيها من أسرار وذاكرة تقوم السيرة بتناولها عن حياة الكاتب والمبدع، كذلك تستهويني قراءة كتب الحوارات كونها نوعاً آخر من كتب السير، لما تتناوله من حياة الكاتب وإخراج ما هو مخبوء في ذاكرته.

وعندما أهدتني صاحبة دار كنعان الكتاب في معرض الكتاب الماضي أخبرتني أنني سأجد شيئا مختلفا في ذاكرة محمد الماغوط، وحياته، ومسيرته الإبداعية، وبالفعل إنّ الكتاب يرصد لنا مسيرة هذا الشاعر منذ الطفولة حتى أواخر حياته. وبأخذك الكتاب إلى مراحل مختلفة من حياته في الطفولة وفي السجن ومع جماعة شعر، وتظهر شخصية الماغوط هنا كونها شخصية حادة الطباع، قاسية الأحكام، غير مجاملة، ويمكن أن تلحظ ذلك في إطلاقه الأحكام على الشعراء الذين عاصروه، كأدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج، فقد وصف محمود درويش بأنه "غير صادق" دون أن يوضح معيار الصدق هنا، وأن أدونيس يكتب "طلاسم" و"لا يفهم شعره"، ونزار "شاعر كبير بقضايا صغيرة"، وغيرهم من الشعراء.

الكتاب مهم لتتبع مسيرة هذا الشاعر الذي أحبَ الشاعرة سنية صالح والتي يعدها أبرز شعرا من نازك الملائكة، أو غادة السمان، وظل وفيا لحبه بعدها.. كل تلك محطات مرت في حياة الماغوط سيجد القارئ متعة في قراءتها ضمن مسيرة الشاعر المثير للجدل والجمال الشعري.



س: ما هي رؤيتك الشخصية لصورة الشاعر القديم؟

ج: أعتقد أننا كأحفاد بائسين، لا بد أن يكون لنا أجدادٌ أكثر بؤسا.


الأربعاء، 15 أبريل 2020

عن رواية شهادة وفاة كلب









ليس غريبا أن يجد القارئ كتاباً مشتركاً لمؤلّفَيْنِ أو أكثر في فرع الدراسات أو المقالات أو البحوث، لكن أن يكون التشارك في إنتاج نص أدبي إبداعي فذلك يبدو شيئاً غريباً أو ليس بالمعتاد لنا تصور اشتراك كاتبين في الأفكار والأسلوب، علماً أن كاتبي رواية شهادة وفاة كلب قد يلتقيا كثيرا في استخدام الأسلوب الساخر، ومعالجة القضايا بهذا الأسلوب، وتكثيف الاشتغال عليه في أكثر من إصدار.


رواية شهادة وفاة كلب نصٌ يجمع الأسلوب الساخر في أماكن عدة، ويمزجها بالسرد الواقعي معتمداً على مرجعيات من الواقع الخارجي المعيش، ويسقطها على شخصيات متعددة لها أمزجتها ونفسياتها وطرائق حياتها المختلفة. 


تُقدّم لنا الرواية اشتغالاً على المضمر الداخلي للشخصيات، حيث تقوم كل شخصية بإبراز ما بداخلها من أزماتٍ وذكريات وأحداث ومواقف، تتسلّل إلى الأحداث، وتعمل على بناء أحداث جديدة إضافة الحدث الرئيس، بانتقال السرد من فضاء لآخر، تقطنه شخصيات أخرى تعمل بدورها على إنشاء أحداث أخرى في فضاءات أخرى مع التقاطع مع الفضاء الأول. مضمرات عدة حفلت بها الرواية وقضايا محورية ناقشتها في أحداثها، لقد ظل الواقع يتداخل مع السردي مشكلَيْنِ مرجعية يتبناها النص ويقدّم من خلالها أفكاراً منظّمة قصدها الكاتب في استلهام مرجعياته الخارجية. 


ومع وجود أحداث عديدة نتجت عن الشخصيات في الرواية، إلا إنّ عضة الكلب الأسود لمؤخرة شخصيتنا الرئيسة يعدُّ الحدث الرئيس في الرواية، إذ تنبني عليه جميع الأحداث المستقبلية منها والماضية، يتراوح معها السرد جيئة وذهاباً كاشفا بها التباسات الشخصيات التي أمامه، والأمكنة. بل يمكن القول إن شخصية الكلب قد لعبت دوراً محوريا في فضح مكنونات شخوص الرواية، واتساع دوائر الأحداث في محيطٍ حُلمي/ غيبوبي للذاكرة. إنك تنتقل مع الأحداث وتعيش انكسارات بعضها، وحزن بعضها الآخر، وأمل الأخرى، فيما تظل الشخصية الرئيسة متذبذبة في الأحداث، مرةً يحكمها الخوف من المجهول ومن الماضي لا سيما المتعلقة بالكلب وأخيه محمود، ومرة يسكنها التشاؤم لنبوءات أمه، ومرة يعيش حياة التفاؤل لحبه لجمانة.


جمانة أيضا لعبت دورا مهما في السرد، فهي شخصية عملت على الاشتراك مع الشخصية الرئيسة بإعطائها مساحة من التخيُّل المدهش، والحركة داخل النص، والصراع مع الذات والآخرين، إلا إن الماضي وصرخات أخيه محمود "أنا لستُ سوى كلب"، لماذا ظل يطارده هذا الصوت؟ هل كان يسمع فيه صوتاً آخر له؟ 


بموت محمود تشتعل حكاية الكلاب، وتظل تؤرق أخاه، ويبدو أنه لا سبيل للخلاص من هذا الصوت إلا بانقطاع الماضي، والبقاء في الحاضر، ولن يتم ذلك إلا بوجود جمانة، وها هي تعيد نفض الحكاية، وتهزّ الأحداث في غيبوبتها معلنةً وفاة كلبٍ بكلّ ذاكرته، وأحلامه، وأمكنته التي عبّرها، وسنين طويلة من الخوف والترقُّب.



هل بالفعل يمكنُ أن يكون الخوفُ كلباً أسودَ يطارد أحلامنا؟؟

الجمعة، 10 أبريل 2020

كتاب الأيام لطه حسين






أذكرُ هذا الكتاب جيداً، اشتريته صيف 2008م ب13 جنيها ونصف من المعرض الدائم للكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم صار حبيس مكتبتي الشخصية إلى هذا العام. صار الكتاب أمامي، أُطلُّ عليه كل يوم، ويُطلُّ عليّ، حتى حان موعد خروجه من الرفّ.

يعد كتاب الأيام لطه حسين (1889-1973) من أهم الكتب في الأدب العربي الحديث، كونه يتناول سيرة شخصية ثقافية لواحد من أهم كُتّاب القرن الماضي. يرصد الكتاب سيرة عميد الأدب العربي في طفولته في أرياف مصر، وفي القاهرة أيام تعلمه في الأزهر والجامعة، وأثناء سفره لفرنسا لاستكمال دراسته. كما يوثّق كتاب الأيام للحياة في مصر بكل صورها الريفية والمدنية ويقيم صراعا بين المؤسسات المختلفة، كما يحيل على مرجعيات ثقافية ينبني على فكر طه حسين الأدبي.

ينقسم الكتاب في مضمونه إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الطفولة الأولى التي عليها المؤلف، حياة الأرياف البعيدة عن القاهرة، وكيف كانت طفولته في ظل العمى الذي يحاصره. ينقل لنا طه حسين مظاهر الحياة في الريف، الحياة في البيوت، الكتاتيب، معلم القرآن، الفعاليات والعادات، ويظهر فيها طه حسين يعاني من حالة العمى الذي عليه، وهنا تظهر الإشارة الأولى لتأثره بأبي العلاء المعري.



الثاني: الحياة في القاهرة، والسفر لطلب العلم في الأزهر، وهنا يرصد لنا حياة الأزهر، والمدرسين فيه، ونظام التعليم الذي فيه، مع وصف للقاهرة وبعض شوارعها، والمكان الذي كان يسكنه ويتشارك فيه مع أخيه، كما يذكر انتقاله للتعليم في الجامعة وشغفه بطريقة تدريس الأساتذة فيها.



الثالث: رحلته إلى فرنسا لاستكمال دراسته والصعوبات التي واجهها في سبيل التعليم هناك.



إنّ كتاب الأيام ليس كتاباً في السيرة فقط، بل هو أيضا كتاب توثيقي في للمكان، والشخصيات، لقد صوّر مؤلفه بأسلوب بسيط وسهل، ثقافة المكان في كل جهة تنتقل إليها الأحداث، كما سرد نفسيات الشخصيات وواقعها وسماتها سردا بديعا يجعل القارئ يعيش ذاكرة الإنسان المصري بداية القرن الماضي. ويحيلنا الكتاب على عدد من المرجعيات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي عملت على تشكيل ثقافة طه حسين الأدبية والتي أنتج بها أعماله المختلفة، من هذه المرجعيات، المرجعية الاجتماعية للثقافة الشعبية الريفية، والمرجعية المكانية لمؤسسة الأزهر الذي أمدته بكثير من الاختلاف الفكري، كما أدى اطلاعه على كتب التراث على تشكيل المرجعيات الثقافية والأدبية في نتاجاته المختلفة.



في الأخير: فعلا أنا أحسد طه حسين على ذاكرته القوية التي نقلت أدق التفاصيل في الكتاب نقلا سماعيا رغم السنوات الطويلة بين الأحداث والتأليف.