الأربعاء، 15 أبريل 2020

عن رواية شهادة وفاة كلب









ليس غريبا أن يجد القارئ كتاباً مشتركاً لمؤلّفَيْنِ أو أكثر في فرع الدراسات أو المقالات أو البحوث، لكن أن يكون التشارك في إنتاج نص أدبي إبداعي فذلك يبدو شيئاً غريباً أو ليس بالمعتاد لنا تصور اشتراك كاتبين في الأفكار والأسلوب، علماً أن كاتبي رواية شهادة وفاة كلب قد يلتقيا كثيرا في استخدام الأسلوب الساخر، ومعالجة القضايا بهذا الأسلوب، وتكثيف الاشتغال عليه في أكثر من إصدار.


رواية شهادة وفاة كلب نصٌ يجمع الأسلوب الساخر في أماكن عدة، ويمزجها بالسرد الواقعي معتمداً على مرجعيات من الواقع الخارجي المعيش، ويسقطها على شخصيات متعددة لها أمزجتها ونفسياتها وطرائق حياتها المختلفة. 


تُقدّم لنا الرواية اشتغالاً على المضمر الداخلي للشخصيات، حيث تقوم كل شخصية بإبراز ما بداخلها من أزماتٍ وذكريات وأحداث ومواقف، تتسلّل إلى الأحداث، وتعمل على بناء أحداث جديدة إضافة الحدث الرئيس، بانتقال السرد من فضاء لآخر، تقطنه شخصيات أخرى تعمل بدورها على إنشاء أحداث أخرى في فضاءات أخرى مع التقاطع مع الفضاء الأول. مضمرات عدة حفلت بها الرواية وقضايا محورية ناقشتها في أحداثها، لقد ظل الواقع يتداخل مع السردي مشكلَيْنِ مرجعية يتبناها النص ويقدّم من خلالها أفكاراً منظّمة قصدها الكاتب في استلهام مرجعياته الخارجية. 


ومع وجود أحداث عديدة نتجت عن الشخصيات في الرواية، إلا إنّ عضة الكلب الأسود لمؤخرة شخصيتنا الرئيسة يعدُّ الحدث الرئيس في الرواية، إذ تنبني عليه جميع الأحداث المستقبلية منها والماضية، يتراوح معها السرد جيئة وذهاباً كاشفا بها التباسات الشخصيات التي أمامه، والأمكنة. بل يمكن القول إن شخصية الكلب قد لعبت دوراً محوريا في فضح مكنونات شخوص الرواية، واتساع دوائر الأحداث في محيطٍ حُلمي/ غيبوبي للذاكرة. إنك تنتقل مع الأحداث وتعيش انكسارات بعضها، وحزن بعضها الآخر، وأمل الأخرى، فيما تظل الشخصية الرئيسة متذبذبة في الأحداث، مرةً يحكمها الخوف من المجهول ومن الماضي لا سيما المتعلقة بالكلب وأخيه محمود، ومرة يسكنها التشاؤم لنبوءات أمه، ومرة يعيش حياة التفاؤل لحبه لجمانة.


جمانة أيضا لعبت دورا مهما في السرد، فهي شخصية عملت على الاشتراك مع الشخصية الرئيسة بإعطائها مساحة من التخيُّل المدهش، والحركة داخل النص، والصراع مع الذات والآخرين، إلا إن الماضي وصرخات أخيه محمود "أنا لستُ سوى كلب"، لماذا ظل يطارده هذا الصوت؟ هل كان يسمع فيه صوتاً آخر له؟ 


بموت محمود تشتعل حكاية الكلاب، وتظل تؤرق أخاه، ويبدو أنه لا سبيل للخلاص من هذا الصوت إلا بانقطاع الماضي، والبقاء في الحاضر، ولن يتم ذلك إلا بوجود جمانة، وها هي تعيد نفض الحكاية، وتهزّ الأحداث في غيبوبتها معلنةً وفاة كلبٍ بكلّ ذاكرته، وأحلامه، وأمكنته التي عبّرها، وسنين طويلة من الخوف والترقُّب.



هل بالفعل يمكنُ أن يكون الخوفُ كلباً أسودَ يطارد أحلامنا؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق