الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

عيدكم سعيد

كلُّ عامٍ وأنتم بخيرٍ وعافيةٍ وصحةٍ... عيد الأضحى المبارك على الأبواب، فهنيئا لمن حجَّ بيت الله هذا العام، ومن لم يستطعه العام، فالعام المقبلُ بحول الله وقوته..

(1)
أخي الحبيب العيد موسم للتسامح، وصفاء القلب، ونبذ الكره والبغضاء. اشحنْ قلبكَ بالود، وسامحْ وأغمض عينكَ عن هفواتِ الناس، فلا تدري هل تكون بيننا إلى العيد القادم. صافح وسلِّم وبادل التهنئة بالتهنئة، اخرجْ وزر الأرحامَ والأصدقاء، فهذا عيد القلب والروح والوجدان.

(2) أدخلْ الفرح والسرور على الأطفال، اضحك معهم. ولا تنس "العيدية" فهم ينتظرونها منك. اخرج مع أولادك، وأسرتك، قم برحلات ترفيهية، وزيارات، أدخل السرور في نفوسهم. العيد وُجد للفرح والبهجة وليس للرتابة والملل.

(3) عندما تعانق أطفالك، وتضحك معهم، وتخرج معهم، تذكّرْ أن هناك أطفالا محرومون من البسمة، شردهم الفقر والجوع.. تذكر أطفال المسلمين في العالم، وهم يقتلون بغير ذنب. فلا تنسهم من دعائك.

(4) لن أوصيكم على اللحم، (الأضحية) عليكم باختيار الأسمن، فإن وراءكم "تنور العيد"، و"مقلي العيد"، و"مشاكيك العيد"، واللي يطبخ "الخل" أيضا، فكلما كانت الذبيحة سمينة أكثرتم من الأكل.

(5) احذروا الطرقات أيام العيد، فإنها مزدحمة جدا، والكل منشغل ومستعجل في الوقت ذاته، احذروا الطرقات ولا تحولوا فرح العيد إلى أحزان. أجاركم الله.

السبت، 20 أكتوبر 2012

العشق.. من كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين



 

ذكر ابن القيم –رحمه الله- في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين(1):

 أنه اجتمعت للحب ستون اسما، قام باستعراض خمسين اسما منها وتفصيل معانيها. ومن هذه الأسماء (العشق) الذي يقول عنه: "وأما العشقُ فهو أمرُّ هذه الأسماء وأخبثها، وقلَّ ما ولعت به العرب، وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفصحوا به، ولا تكاد تجده في شعرهم القديم، وإنما أولع به المتأخرون، ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة إلا في حديث سويد بن سعيد(2).

وبعد فقد استعملوه في كلامهم، قال الشاعر:

وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا // سوى أن يقولوا إنني لكِ عاشقُ

نعم صدق الواشون أنتِ حبيبةٌ // إليَّ وإن لم تصفُ منكِ الخلائقُ

 

وقد اختلف الناس هل يطلق هذا الاسم في حق الله تعالى؟ فقالت طائفة من الصوفية: لا بأس بإطلاقه، وذكروا فيه أثرا لا يثبتُ، وفيه: فإذا فعل ذلك عشقني وعشقته، وقال جمهور الناس: لا يطلق ذلك في حقه سبحانه وتعالى، فلا يقال إنه يعشق، ولا يقال عشقه عبده، ثم اختلفوا في سبب المنع على ثلاثة أقوال، أحدها: عدم التوقيف بخلاف المحبة. الثاني: أن العشق إفراط المحبة، ولا يمكن ذلك في حق الرب تعالى، فإن الله تعالى لا يوصف بالإفراط في الشيء، ولا يبلغ عبده ما يستحقه من حبه فضلا أن يقال أفرط في حبه. الثالث: أنه مأخوذ من التغير كما يقال للشجرة المذكورة العاشقة، ولا يطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى".(3)

 

(1)            ابن قيم الجوزية، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، تحقيق: أحمد شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية.

(2)            حديث: "من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد". المحقق

(3)            بتصرف. ص21-22

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

هذيااااااان

وأنا أكتبُ الآنَ، إحدى عيني مغمضتان والأخرى مفتوحةٌ. استشهدتُ في أول الأمرِ بقول الشاعرِ:
بَكَتْ عيني غداةَ البينِ دمعاً ::: وأخرى بالبكا بَخُلَتْ علينا
فعاقبتُ التي بالدَّمعِ ضنَّتْ  ::: بأنْ أغمضتُها يوم التقينا

لكن الأمر لا دخل له بالفراق، فالقضية برمتها تتلخص في النوم، الطائر الذي يهجرنا في الوقت الذي نبحث عنه. كم أرغب الآن في إغماض عيني، والاسترخاء قليلا، كم أرغب في إغلاق الهاتف الذي شغلني وأخذ من وقتي الكثير. لماذا اشتريتُ هذا الجهاز الغالي الثمن؟ لماذا اشتركتُ في خدمة الواتس أب الجديدة؟ لماذا انضممتُ إلى العديد من الجروبات؟

لا يكاد هذا الجهاز يهدأ أبدا، رسالة وراء أخرى، كم يتحمل هذا الجهاز ثقل دمائنا، وفضاضة خلقنا، ألا يعطل هذا الجهاز مع كثرة المراسلات اليومية؟ أين صنع هاتفي يا ترى؟ الصين. طبعا وهل هناك غيرها؟ حتى الهواتف بعد أن كانت أوربية الصنع أصبحت الصين تتخصص في صناعتها. أصبح السوق الصيني يغزو العالم، ويمد تجارته شرقا وغربا. بالمناسبة صار لي أكثر من سنة لم أقم بزيارة ولو خاطفة لسوق التنين بدبي، بعضهم يقول إن أسعاره معقولة، والبعض يقولون إن أسعاره في تزايد مستمر، وخاصة أيام الخميس والجمعة لأن أغلب زواره من العمانيين، فيقومون برفع أسعارهم في وجه الزبون العماني. هذا الافتراض غريب جدا وكأنه لا أحد يشتري أو يتسوق من التنين إلا أهل عمان، مع أني دخلت مرة التنين فلم يكن من عماني هناك غيري. ووجدتُ متسوقين من إحدى الدول الخليجية هم وأولادهم وشغالاتهم ما يبدو وأنهم في بلادهم.

عموما... في التنين أخاف أن آكل شيئا، لأني أخشى أن آكل ضفدعة أو صرصارا أو تكون الشوربة بنكهة الطحالب، هذا كان اعتقادي عن طعامهم. لذلك فإني لا آكل شيئا حتى أخرج من هناك. وعلى ذكر الأكل أنا اليوم لم آكل شيئا يُطلقُ عليه اسم وجبة، كل ما أكلته هو هريس على الإفطار، وبعده بساعتين أكلت "عدس" في مطعم "ليميه"، وتغديت مكبوس لحم، وعند العصر أكلتُ كرواسون، وبعد المغرب تعشيت صالونة دجاج مع الخبز، وبعد العشاء عزمني صديقي على صحن شاورما!! الآن عرفت لماذا أنا جائع، فقط لأني لم أتناول وجبة دسمة!! وكيف سيأتيني النوم وأنا جائع؟

لو أني أصحو غدا وأجد باص المدرسة قد تعطّل، أو الوادي الذي جنب بيتنا يجري فيحول بيننا وبين المدرسة. آخر مرة هطلت الأمطار عندنا قبل سنتين، يومها اخضرت الأرض، وجرت الأودية وتغير طعم البئر. يقولون إنهم سيصلون صلاة الاستسقاء، لكنهم مختلفون أين سيصلونها؟ جماعة الشيخ يقولون عند بيته في الأرض الواسعة، وجماعة الإمام يقولون خلف المسجد في الأرض الكبيرة، لكني سمعت معلم التربية الإسلامية يقول الأفضل أن يخرج الناس إلى الصحراء متضرعين إلى الله، معهم الفقراء وكبار السن. أعتقد إن الشيخ لن يخرج معهم، يقول إن أجداده ما كانوا يفعلون ذلك.

آه آه آه، لو والدي عنده اشتراك في بطاقة الجزيرة، لكنت ذهبت لمتابعة مباريات الدوري الإسباني، أحسن من هذه التقلب في الفراش. عندما أكبر سأشترك في الجزيرة وأبوظبي الرياضية وكل القنوات المشفرة، ومن قناة إلى قناة، ومن مباراة إلى مباراة.
 - لكن من أين سآتي بنقود الاشتراك؟
- سأعمل وسيكون لي مرتب.
- والعمل ما يحتاج له شهادة؟
- سأنجح وتكون عندي شهادة.
- تنجح؟ وأنت تأخذ الصف في سنتين.
أووووووووووووووووووه.


الساعة السابعة...
الضوء يملأ الغرفة، أنهض من نومي فزعا، تأخرتُ على المدرسة، لماذا لم يوقظني منبه هذا التلفون؟ أنظر إلى التلفون، البطارية فارغة...




الأحد، 16 سبتمبر 2012

مشاهد من شوارعنا


السلام عليكم....

(1)
وأنت تمشي بسيارتك في الشارع في يومٍ مزدحمٍ كيوم الجمعة، تطالعك في المرآة سيارة قادمة من الخلف تبعد عنك مسافة طويلة، وهي تعطيكَ "فول لايت"، أنِ ابتعد من الطريق، وإذا لم تقم بفتح الطريق لها جاوزتك من اليمين أو من أكتاف الشارع. سبحان الله ألهذه الدرجة صاحب السيارة مستعجل؟! أما سمع بحوادث المرور نتيجة العجلة؟! وماذا سيحدث لو تأخر قليلا عن موعده؟!   // أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل//


(2)
يمشي أمامك ببطءٍ شديدٍ، وعلى رأي المثل (يمشي على بيض)، وسرعان ما يفتح نافذة سيارته ويلقي منها أكياس وعلب فارغة وقواطي وغيرها. الرجل لا يريد أن يوسّخ سيارته أو أن تبقى روائح الطعام، لكن شيء عادي أن تتوسخ الشوارع ويصبح المنظر مقززا.  //نظافة العقول شيءٌ مهم//


(3)
يمر بسيارته "القرنبع" أي القديمة، وقد قام ببعض التعديلات عليها ونزّلها قليلا لتلامس الأرض، والصوت يفجر آذان أهل القرية، علاوة على الكتابات الغريبة التي ربما هو نفسه لا يعرف معناها، وسرعان ما تأخذخ العزة بالإثم فيقوم ويخمس ويحرق التواير ويزعج خلق الله، لكن السيارة تلف به وتخرج من سيطرته وتدخل في حوش أحد الأهالي. // الله يمهل ولا يهمل//


(4)
يكمل تنظيف سيارته، ينزل الشارع، معه أحد أصدقائه في الكرسي المجاور، أرخى الكرسي للوراء، وأنزل نافذته، وشغل مسجل السيارة. الصوت يتخطى سيارته ليوقظ النائمين، وكل من على الشارع ينظر إليه وربما يدعو عليه. 


(5)
وأنتَ تمشي في الشارع العام بالسرعة المحددة تتفاجأ بكدس من السيارات على الشارع وعابرين يتخطون الشارع، وما هي إلا لحظات وفرامل السيارات تسمع من كل جانب على الطريق خوف أن تصطدم بأحدهم. لماذا يعبرون أو يقفون على الشارع؟! إنه حادث والكل يريد أن يعرف وش اللي صاير أو يريدون أن يصوروا صورة له، ولا يخافون أن تصدمهم سيارة مسرعة...


(6)
دع مسافة بينك وبين السيارة التي أمامك فلا تدري ما يخطر بباله، فلربما توقف فجأة او أراد النزول المفاجئ، وأكثر ما يكون ذلك إذا كنت خلف سيارة تاكسي فإنهم بمجرد أن يروا واقفا على الشارع أو يطلب منهم رأكب التوقف حتى يتوقفوا مباشرة.

السبت، 4 أغسطس 2012

روااااااااااااااااائح 4




التُقِطتْ هذه الصور قبل أيام وتوضح الصور مدى التلوث في سماء البلد. دخان يملأ السماء إضافة إلى الروائح الكريهة التي تخنق الأنفاس. الوعود من قبل الشركات بسرعة القضاء على التلوث باستخدام فلاتر تمنع الروائح من الانبعاث.. وإلى الآن لم يتم شيء من ذلك....... فإلى متى؟؟؟؟؟

السبت، 9 يونيو 2012

عندما يكونُ الكتابُ قريباً منكـَ


سمعتُ كثيراً عن أممٍ وشعوبٍ أصبحَ الكتابُ رفيقها في حلها وترحالها. يجالسهم جُلَّ يومهم، فإذا سافر الواحدُ منهم عبر القطار أو انتظر في المحطة لا تجده إلا ممسكا كتابه أو مجلته منهمكاً في القراءة، وإذا استعدَّ للنوم أخرج من تحت وسادته كتابا صغيرا يقلب بعض صفحاته قبل أن ينام، وإذا مشى في الطريق يحمل كتاب الجيب في حقيبته الصغيرة فلربما جلس ينتظر في مكان ما فيفتح صفحات ذلك الكتاب.

كل ذلك سمعناه عن مجتمعات تهتم بالقراءة؛ لأن القراءة غذاء للعقل مثلما هو الطعام غذاء للجسد. لقد عزفت مجتمعاتنا عن القراءة، فأصبحت القراءة عاملا مرتبطا بالدراسة فقط [مع معاناة المعلمين طبعا في دفع الطلاب لذلك]، فأصبح الطالب في أي مرحلة دراسية كانت لا يقرأ إلا ما يقربه من الاختبار، خلاف ذلك فإن الكتاب برائحة المطبعة التي هو عليها يبقى على رفّ المكتبة لا تعمل أي يد على تحريكه إلا لنفض الغبار عنه.

لقد بعدت المسافة بين القارئ والكتاب، وأصبح تفكير الفرد في مجتمعنا متعلق بالأنظمة الإلكترونية الحديثة، جوالات وحواسيب وآيبادات، وبرامج حديثة، ولكننا نذهب ونذهب ومشكلتنا الأساس في القراءة والكتابة؛ فمهما صرنا أذكياء في عالم التكنولوجيا فإن ذلك لن يغير شيئا إذا كنا غير قادرين رسالة نصية أو بالواتس أب؛ وما جدوى أن أستخدم البلاك بيري مثلا وأنا لا أستطيع أن أكتب رسالة فيه أو يستطيع أصدقائي قراءة ما أكتب. هذا واقع، يقول أحدهم: أنه يتواصل مع أصدقائه في كل أموره بالاتصال؛ وذلك لأن أصدقاءه لا يجيدون قراءة الرسائل ما لو أرسل لهم مع أنهم قد أنهوا دراسة دبلوم الشهادة العامة. أقول ذلك لأننا منذ الصغر بعيدون عن العالم القرائي والكتابي، لم تتعود ألسنتنا وعقولنا على قراءة المفردات... نحتاج أن نجعل الكتاب قريبا منا، قريبا من أبنائنا، أينما اتجهنا نجد الكتاب رفيقنا، في أماكن الانتظار، وحقائبنا، وسياراتنا.

في بادرة رائعة من إحدى الدول الخليجية وعندما أرادت أن تقرّب الفرد في المجتمع من الكتاب، جعلوه [الكتاب] يلحق بالفرد حتى في أماكن تسوقه، حيث تم افتتاح مكتبة عامة تتبع وزارة الثقافة في أحد المولات الكبيرة، فإذا كان أبناؤك يتسوقون ولديك متسع من الوقت وليست لديك الرغبة في التسوق فيمكنك قضاء وقتك بين صفحات الكتاب، وإن كنتَ تشكو من بُعْد المكتبات العامة أو شحّها فها هي المكتبة تتبعك حتى في مكان تسوقك.

لقد شدني الفضول للدخول إلى المكتبة لأرى أي كتب سأجد، إنها مكتبة متنوعة في مختلف المجالات والعلوم، وبها ركن خاص لكتب الأطفال ومقاعد خاصة للأطفال. والجميل أن هناك من يبحث عن المعلومة ويدوّن ويقرأ من مختلف الجنسيات. أقول وبكل صراحة كم تمنيت أن أجد مثل هذه المكتبة في مراكز تسوقنا وبدعم من مؤسساتنا الحكومية على الأقل إن لم ندخل المركز للتسوق سندخل لنبحث عن كتاب... تنقصنا المكتبات العامة التي تضم كتبا متنوعة لا كتبا لا تريدها جهة معينة وتقرر التخلص منها برميها في مكتبات الأندية التي لا يدخلها أحد. نحتاج أن نعيد نظرتنا للكتاب ونجعله قريبا من المجتمع، نعيد صياغة وبلورة الاهتمام الفكري والثقافي لأننا يوما بعد يوم ننزلق إلى أسفل السافلين فقط لأن عقول وتفكير أبنائنا أصبح ضحلا ضحلا...

الأربعاء، 6 يونيو 2012

كتاب: (الخلافات السياسية بين الصحابة)








لعل الحديث عمّا دار بين الصحابة في القرن الأول من الإسلام شائكٌ وطويلٌ؛ لا ينبغي الخوض فيه لمن ليس له دراية بالتاريخ وأحداثه. فقراءة كتب التاريخ لا سيما التي تناولت تلك الحقبة بشيء من الدقة والموازنة في الطرح تحتاج لبصيرة في النقل والفهم، فما كل من قرأ فهم، وما كل من فهم له قدرة على الطرح والتحليل. كما أنه ليس كل كتاب بنقله التاريخي هو في مضمونه كتاب صالح من خلاله لإصدار حكم عن حقبة تاريخية عاش فيها أناس كصحابة رسول الله. لذلك ما ينبغي –لمن ليس لديه الدراية- ألا يخوض في فيما شجر بين صحابة رسول الله، وليمسكْ لسانه من اعتقد أنه قادر على الوصول إلى دواخل تلك النفوس الطاهرة.




لقد فهم الخليفة عمر بن عبدالعزيز –رحمه الله- هذه القاعدة عندما سُئلَ عما شجرَ بين صحابة رسول الله رضوان الله عليهم، فقال: "تلكَ دماءٌ طهَّرَ اللهُ يدي منها، أفلا أُطَهِّرُ لساني." وللأسف فإن في زماننا هذا كثيرون لم يفهموا ما فهمه الخليفة عمر بن العزيز، فجعلوا من منابرهم ومنتدياتهم وصفحاتهم على الفيسبوك والتويتر مسرحا للخوض والتشفي من صحابة رسول الله، ولو أنهم فهموا ما فهمه خليفة المسلمين ووقفوا على نصوص أخرى للرسول الكريم، لتجنبوا على الأقل الخوض في أعراض تلك الحقبة الزمنية...




ولكن كل ذلك لا يمنع إعادة قراءة تلك الحقبة التاريخية من خلال فهم وتحليل الكتب الصحيحة التي وقفت في رواياتها على أسانيد معتمدة. ومن الكتب التي قامت بتحليل تلك الفترة الزمنية بأحداثها السياسية وشخصياتها ورواتها كتاب (الخلافات السياسية بين الصحابة) لمؤلفه محمد بن المختار الشنقيطي، الذي أعد رسالته هذه في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ. ومحمد من خلال اهتمامه بالفكر السياسي حاول الرجوع هنا إلى تراث شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- لا سيما في كتابه (منهاج السنة) و(مجموع الفتاوى) للخروج بأكثر من عشرين قاعدة في فهم الأسس والقواعد التي من خلالها حلّل شيخ الإسلام ابن تيمية بعض الخلافات التي وقعت بين الصحابة، والأحداث التي وقعت وأشكلت على كثير من المؤرخين في فهم ذلك التاريخ وأصبح لديهم خلطا في كتبهم المختلفة. لقد استفاد الشنقيطي من تراث ابن تيمية للتفريق أو لتوضيح الفارق بين المكانة التي عليها الأشخاص وقدسية المبادئ، فجاء هذا الكتاب متناولا لآراء جاءت بها كتب رواة ثقاة في النقل التاريخي.




لقد درس الشنقيطي الخلافات السياسية بين الصحابة في ضوء ما جاء به ابن تيمية الذي عدَّه أعمق وأوسع من درس الخلافات السياسية بين الصحابة، والذي رأى في مؤلفاته خير من جمع بين الدفاع عن الصحابة وبين الدفاع عن قدسية المبادئ الإسلامية. فقسم كتابه إلى مدخل تاريخي واثنتين وعشرين قاعدة لفهم ما دار بين الصحب الكرام تناولا وتحليلا وقراءة للنصوص الواردة في كتب الرواة الثقاة، ثم تطرق إلى بعض الملاحظات على منهج ابن تيمية في مؤلفاته، ومآخذ على منهج الشيخ ابن العربي وعلى كتابه "العواصم"، وخاتمة.


إن المتأمل في كتاب "الخلافات السياسية بين الصحابة" يجد أنه كتاب تحليلي، (سواء وافق القارئ على ما أتى به المؤلف أحيانا أم اختلف معه)، تحليلي للروايات التي جمعها من أمهات الكتب والتي روت ما دار بين الصحابة الكرام من خلافات سياسية قائمة على التطلع إلى السلطة والحروب التي قامت حينها. كما يُظْهِرُ هذا الكتاب مدى اطلاع مؤلفه الواسع على التاريخ؛ ويظهر ذلك من خلال ردّه لبعض الروايات وتصحيحه لبعضها الآخر ومقابلتها ببعض الروايات التي لم يقف عليها بعض الرواة، فهذا ناتج من وفرة في الاطلاع التاريخي. ولقد عدّ المؤلف هذا الكتاب من مؤلفات "الفقه السياسي" أكثر من كونه كتابا في السرد التاريخي، فاجتهد في تحليل النصوص وتمحيصها وإبداء الرأي حول ذلك. فهل من وقت ولو قليل للتعرف على فكر كاتب وقف على تلك المرحلة التاريخية الحرجة؟