الاثنين، 4 أغسطس 2014

إلى القدس.. لا أريد لهذه الرحلة أن تنتهي






إلى القدس.. لا أريدُ لهذه الرحلةِ أن تنتهي

أن يبتدئ عاصم الشيدي كتاب رحلاته (لا أريد لهذه الرحلة أن تنتهي) برحلته إلى القدس ففي ذلك إشارةٌ كبيرة إلى أهمية هذه الرحلة عنده، فهي بالتأكيد تمثل جانباً مهماً في حياته كصحفي وكاتب، ونقلةً نوعيةً في عالم الكتابة لديه.

ولا ريب وأنت تقرأ تفاصيل هذه الرحلة أن تجدَها مشحونةً بكمٍ هائلٍ من المعلومات التي تُخْرجُ العمل من سياقه الوصفي الإنشائي إلى سياقٍ صحفي تقريري. وكأنني الآن أرى عاصماً يتجول في طرقاتِ القدس وأزقته، وعلى كتفه كاميراه التي تعود على حملها في أسفاره المختلفة، وبيده مفكرتُه الصغيرة وقلمه مسجلاً تفاصيل ما يراه حتى لا يضيع على نفسه شيئا هناك.

تأتي الرحلة إلى القدس مشحونةً كما قلنا بكمٍ هائل بالتفاصيل الدقيقة التي رصدها الكاتب من أفواه الناس والمرافقين، والمعلومات التي استقاها من مراجعها المختلفة، باحثا عنها طويلا ليغذي بها نصه، فهذه رحلة قد لا تتكرر للكثيرين في ظل الظروف التي تعيشها الأرض المحتلة، فعند وقوفك على نص الرحلة تحس أحيانا وكأنك أمام وثيقة معلوماتية تاريخية جمعها الكاتب ليدعم بها رحلته، كالروايات التي يتناقلها الناس حول بناء قبة الصخرة أو التفاصيل المتعلقة بأبواب المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين وغيرها ووصف قبة الصخرة، وغيرها. كما لم ينس عاصم أن يرصد الحكايات والصور الدقيقة لحياة السكان في القدس والتي استقاها من أفواه الناس هناك والمرشدين الذين كانوا يرافقونهم رحلتهم، كحكاية الرجل الذي باع بيته لليهود والثعبان الذي وجدوه في قبره كلما فتحوا له قبرا بعد موته، والمرأة العجوز التي ظلت باقية في بيتها حتي لا يغتصب البيت عنها وغيرها كثير من الوصف الدقيق لهذه البقعة من الأرض التي يتصارع أهلها بحثا عن الحياة.

ولم يفت الشيدي أن يصور في رحلته الآخر، اليهودي، المغتصب، باعتباره شخصية محورية تعمل على تشكيل الحياة هناك، فعمل على رسم ملامحها، وصوَّرَ طبائعها وانفعالاتها بدقة، وبثَّ في وجهها حقده الدفين كمحتل غاصب لأرض لا يحق له فيها شيء، يقول: (اقتربت ورفاقي من الباب علّنا نشم شيئا من رائحة الماضي إلا أن جنود الاحتلال تحسسوا أسلحتهم الرشاشة ورمقونا بنظرات تحمل الكثير من الحقد). ويقول: (حاولت أن أقرأ شيئا في وجه الجندي الذي وضع أصابعه على الزناد وبدأ يتفقد انفعالات رفيقه ويبني عليها ولكن لم أصل إلى شيء، إنه التماهي مع العدم والخوف من المستقبل الذي يحول كل شيء إلى مسخ لا شكل له ولا لون..). وصور الآخر في عبادته أمام حائط البراق، فهم "يزاحمون المارة" عندما يتجهون إلى الحائط، و"عندما يتكاثرون تخلو الطرقات إلا منهم"، ويصفهم أمام الحائط قائلا: (كان العدد كبيرا، أكبر مما تصورنا. وأضواء الكشافات تعطي المتعبدين تحت الجدار هالة خادعة. فيما كانت مجموعات عسكرية كما عرفنا تتلقى دروسا على مبعدة قليلا من طقوس الصلاة اليهودية حول المدينة والهيكل المزعوم). هذه الصورة للآخر تتكرر كثيرا عند الحديث عنه في هذه الرحلة، وتتناول جميع أشكال الصورة التي يتخيلها المتابع للمشهد، إنها صورة اليهودي الذي يحمل حقدا دفينا داخله تجاه العرب والمسلمين، أليس أجدادهم من كان ينتظر النبوة في اليهود؟ حتى إذا اختص بها نبينا والعرب خصوصا دون غيرهم، كفروا برسالة محمد ونقضوا عهودهم ومواثيقهم، ودسوا السم لنبينا في الشاة التي قُدِّمت طعاما له، حتى إذا كان في المرض الذي قُبِضَ فيه قال: "ما زلتُ أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من السم". هذه صورة اليهود على مدى التاريخ...

وبالنظر في هذه الرحلة نجدها لم تخرج عن إطارها الأدبي؛ فقد أكثر الكاتب من الاستشهاد بالنصوص الشعرية لنزار قباني ومحمود درويش وأحيانا بصوت فيروز الذي ينتقل بين جدران القدس القديمة، ولعل درويش هو الأكثر حضورا لارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية، والذي ظل سنينا يحمل في لغته حجارتها وانتفاضتها وحلم عودتها..

 

لا أريد لهذه الرحلة أن تنتهي،،

لقد انتهت الرحلة ولكن صورها ظلت ترسم أفق أرض دخلها أجدادنا فاتحون، وستعود في يوم يعلوه "الله أكبر" فاتحة بواباتها لنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق