سمكتا
مطرح
السمكتان الواقفتان في وسط الدوار في مطرح لم يفكر
أحد بهما، ولم تغريا أيّ صيّاد؛ ليحملهما لبيته لكي يلعب بهما أطفاله، أو لتكونا وجبة
لذيذة لعائلته، ولم تتعاطف معهما ربات البيوت وهن قادمات من القُرى البعيدة إلى سوق
مطرح. ولم تُلتف إليهما عدسات كاميرات السائحات الأوروبيات المندهشات من سوق الظلام.
وحده
القط الجائع الواقف على الرصيف فكّر أن يقطع الشارع وساحة الحكاية، وأن يحاول الوقوف
فوق رأس إحدى السمكتين في الدوار، ويسرد لهما قصة سلالاته الهندية، وكيف أصبح مُشردا
متشردا في مطرح. وكيف تركته العائلة الهندية التي تركت روي ورجعت إلى نيودلهي لتستطيع
الابنة الوحيدة للعائلة دراسة السينما الهندية، التخصص الذي حلمت به منذ كانت طالبة
في المدرسة الهندية في دارسيت.
وقف
القط الأسود على الرصيف يسرد حكاياته، التي مزجها ببعض الخيال الذي أزعج السمكتين،
لم يعر العابرون والسائحات والسفن وأسماك ميناء مطرح أي انتباه لهذه الحكايات التي
سردها القط الأسود.
سألت
السمكتان القط عن بحار بلاده وعن أسماكها، أخذ القط يُغنّي ويبكي حنينا.
حدّثَتْ
السمكةُ الواقف على جهة البحر من الدوار القطَ عن حنينها الأبدي للماء:
”
في الليل عندما تنام مطرح وسوقها وقراصنتها وسفنها الضخمة، يصيبني الضجر، وأبدأ بالغناء
للبحر، ربما سيُلتفت لصوتي. في ليلة كنتُ أغني وأبكي مرَّ عليّ صياد، وبدأ يصرخ وهرب”.
في
اللحظة التي كانت تتحدث السمكة عن حنينها الأمومي للماء، حطَّ فوق رأسها طائر طار من
إحدى السفن الضخمة الرابضة بكسل أبدي في ميناء مطرح، وبعدما أكل وجبة عشاء فاخرة خزق
فوق رأس السمكة بدون أي تقدير للحوار الدائر بين السمكتين وضيفهما القط الأسود. قالت
السمكة الواقفة على جهة المدرسة السعيدية لرفيقتها في الدوار وللقط:
ـ
ماذا تريدان من طائر يأكل من فتات السفن الضخمة والصيادين؟ ماذا تتوقعان من طائر ترك
صوته ونزل يتسول من الغرباء؟
بعدما خزق الطائر فوق رأس السمكة، طار صوب سوق السمك
لينام فوق سقفه، منتظرا قدوم الصيادين في الصباح.
قال
القط لنفسه : ماذا أفعل بسمكة ضجرة ووحيدة ومهملة ومهمشة ومتسخة الرأس؟
اقترب القط من الدوار محاولا تسلق السياج الذي يحيط
بالدوار، من دون أن يلتفت جهة الشرق، في منتصف الشارع داست عجلات سيارة شرطة مسرعة،
لتدوّن مخالفات مرورية رأس القط الأسود الذي كان في طريقه لتنظيف رأس السمكة الذي اتّسخ
بسبب طائر السفن الضخمة.
عينا
القط الميت عند دوار السمكة في مطرح شاهدتا الشرطيين يسجلان أوراقا ويضعانها على الزجاج
الأمامي للسيارات. رأت عينا القط الميت كذلك رجلين يجلسان أمام مسجد الرسول الأعظم
يناقشان حربا قادمة. قبل أن تخرج روح القط الأسود في الشارع تذكر الطفلة التي تدرس
الآن السينما في إحدى جامعات الهند.
الشرطيان
عندما رجعا من مهمة تسجيل الأرقام على الأوراق البيضاء وزجاج السيارات، مرّا مرة أخرى
على دوار السمكة ( اللتان كانتا تبكيان في تلك اللحظة) دون أن يلتفتا إلى رأس القط
الأسود الميت، سمعت السمكتان سائق سيارة الشرطة يقول لزميله : بعدني ورائي خط الباطنة.
رد
عليه زميله: وأنا ورائي خط الشرقية.
قالت
السمكة المتسخة الرأس لنفسها : وما دخل خط الباطنة والشرقية في دهس قط أسود؟ وصمتت.
امرأة
أوروبية كانت تطل من شرفة الطابق الثالث من فندق النسيم شاهدت مشهد دهس القط، كانت
تشاهد فيلما وثائقيا عن تاريخ القطط.
…..
في
الليل سمع أهل مطرح سمكة تغني لقط ميت.
حمود سعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق