الأحد، 26 مارس 2017

رسالة إلى عبدالله البردوني في اليوم العالمي للشعر

 
 
 
خالد علي المعمري
21|3|2017م
 
رسالةٌ إلى عبدالله البردُّوني
 
شاعرَ اليمنِ عبدالله البردُّوني
يُغريني هذا اليومُ بكتابة رسالةٍ خاصةٍ لك، أقودُ فيها حُروفَ الشعرِ وأسئلةَ المكانِ إلى دائرةِ خلوتِكَ الشعريةِ. أسئلةٌ مفتوحةٌ على احتمالات الحياة في تناقضاتها المستمرة، وسطوتها الماكرة، في دفئها وشتائها، في عبثيَّتِها وجنونها.
وأنا أقلِّبُ ديوانَكَ الشعريَّ متأملاً قصائد ظلَّتْ عالقةً في سماء الشعر العربي كـقصيدة "لعَيْنَيْ أمِّ بلقيسٍ" وقصيدة "من منفى إلى منفى" وقصيدة "فلسفة الجراح"، وقصائد أخرى طالما وقفْتَ فيها مع قضايا شغلَتْ بالكَ سنينَ طويلة، قضايا الإنسانية في المقام الأول والكرامة والفقر والحرية. تأملتَ الحياة اليمينة فكانت بصيرتُكَ النورَ الذي يقودك إلى ميادين الحياة، وساحات الوطن. كتبتَ عن "ليالي الجائعين" فكان تعبيراً يعزِّزُ قيمة الوجود الإنساني في تكاتفه، تعبيرا أطلقتْهُ بصيرةُ شاعرٍ تأمَّلَ حال الشعب، فوصف الثراء مقابل الفقر، والشبع مقابل الجوع، والطبقية في كل تجلياتها حين قلت:
يا ليلُ، من جيرانُ كوخي؟ من همُ
الجائعون الصابرون على الطوى
الآكلون قلوبهم حقداً على
الصامتون وفي معاني صمتهم
ويلي على جيران كوخي إنهم

 
مرعى الشقا وفريسة الأرزاءِ
صبر الرُّبا للريحِ والأنواءِ
ترف القصورِ وثروةِ البخلاءِ
دنيا من الضجّاتِ والضوضاءِ
ألعوبةُ الإفلاسِ والإعياءِ

وكما كتبتَ عن تلكَ المشاهد أظنُّ روحَكَ اليومَ تتنقَّلُ في أرجاء اليمن ضاجةً بأناشيد الخلود والحرية والحياة، ناظرةً إلى الموت في عنفوانه وهو يختطفُ أجمل ما في الأرضِ. وكما كانت حروفُكَ المشعل الذي اهتدى به أهل اليمن في تاريخ كفاحهم، فهي الأمل الذي يتعلّقُ به اليمنيُّ، فأراكَ تنفضُ عنك ترابَ رحلتكَ الأبدية متجلياً لشعب اليمنِ زارعاً بيدهم شجرة الوئام والخلاص.
إنَّ ما تناقلَتْهُ وسائلُ الإعلامِ من أنّ اليمنَ يواجهُ أكبرَ مأساةٍ إنسانيةٍ في العالم، وذلك على لسان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (ستيفن أوبراين) الذي أشار أيضا إلى أنَّ ثلثي الشعب اليمني في حاجةٍ إلى مساعدات، يجعلنا جميعا كعربٍ نعيشُ مرحلة تاريخية من الإطراق والهوان، مرحلة تمرُّ بها الأرضُ التي انحدرتْ منها أغلب القبائل العربية، مرحلة تتمثل في أزمةٍ تجعل من سكّانها يبحثون عن قوتهم في حاويات القمامة، إنها لحظة أليمة في تاريخ العرب الحديث.
حتما لقد عشتَ هذه المأساةَ بكل تجلياتها، ونظمتَها شعراً، ووصفتَ سطوتَها على الإنسان، وربما يكون ما قمتَ به أبلغ وصفٍ لما مرَّ باليمن وتاريخها وامتدادها الجغرافيّ، فقد شكَّلَ الشعرُ لديكَ سلاحاً واجَهَ الفقرَ والموتَ والمرضَ والطغيانَ، فكنتَ تواجهه متسائلا:
لماذا ليَ الجوعُ والقصفُ لكْ؟

 
يناشدني الجوعُ أن أسألكْ

 
وتحاكم الظلمَ قائلا:
أيا من شبعتُم على جوعنا
ألم تفهموا غضبةَ الكادحينَ

 
وجوعِ بنينا. ألم تتخموا؟
على الظلمِ لا بدّ أن تفهموا


 
سيدي البردُّوني
وكما أنَّ المأساةَ متصاعدةٌ فينبغي أن يكون الشعرُ مستمراً في مواجهته لها، فصوتُ الشعرِ أقوى وأبلغ من أصوات العابرينَ على جراحِ الإنسانية وآلامهم وأحزانهم. وهذا وجدي الأهدل كتبَ مقالاً قبل عامٍ تقريبا في العدد (101) لمجلة الدوحة عنوانه: (تاريخ طويل من الجوع)، يرى من خلاله أنَّ مشكلة اليمن مشكلةٌ مزمنة في إشارة إلى الجفاف الذي أحاط باليمن في تاريخها الطويل وما رافقه من صراعات تاريخية ممتدة، وكنتيجة لما آلت إليه تلك الصراعات ما ذكره: "ربما تضمُ اليمن في وقتنا الحاضر أكبر عدد من الجائعين في العالم! أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي ذكر أنَّ (21) مليون يمني بحاجة ماسة إلى الغذاء والملجأ والرعاية الصحية ومياه الشرب. وبلغ عدد المشردين حوالي (2.5) مليون شخص، وقدر عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بحوالي (3.4) مليون طفل".
أيها العازف على أنغام الكلمة، ألا تغريك كلُّ تلك المعطيات لتفتتح قاموس الشعر الذي بين يديك، وتقرأ لهذا العالم النائم بين أحضان الفوضى بيتَ شعرٍ؟ لقد مررتَ على شوارع صنعاء وعدن وحضرموت وإب وتعز ومأرب فلم تخطئ مفرداتُكَ ما كنت ترمي إليها. تلك الشوارع لم تعد كما عرفتَها يوما ما، لم تَعُدْ تسمع خطى أبنائها، ولا تختصرُ المسافةَ بين جارينِ، نسيَتْ ما كنتَ تقولُهُ ذات لقاء، هل تغيَّرتِ المفرداتُ أم تبدَّلتِ القلوب والوجوه؟
 
أخيراً..
لعلّك في مجلسكَ الأخيرِ تُكثرُ من قراءة قصيدة (أبو تمام وعروبة اليوم)، ولو حَدَثَ وقابلتَ أبا تمام في مكانٍ ما هناك فإنك ستُكملُ له الملحمة العربية الخالدة. وكل ما لم يره أبو تمام في زمانه ستكتبه له صدّقَ ذلك أم لم يصدق، ولكنني أجزم أنك ستحذف الشطر الأخير من قصيدتكَ: (إنَّ السماءَ تُرَجَّى حين تَحْتَجِبُ).
 
 

هناك 4 تعليقات: