الاثنين، 17 أغسطس 2015

حوار مع جبل التوباد






كثيرةٌ هي الأماكن التي وردتْ في أدبنا العربي؛ وكلُّ موضعٍ له قصةٌ تُروى، ولقد وثَّق الشعرُ العربي في مراحله المختلفة علاقتَه بهذه الأمكنة وحفظ الحكايات المرتبطة به؛ فعندما يحدثنا الأصفهاني في كتابه الأغاني عن قصة مجنون بني عامر مع جبل التوباد فإنه يعرض جانباً من قصة العشق الخالدة لمجنون ليلى.

 

في أبيات قصيرة لقيس بن الملوح نجد استعراضا للمكان الذي جمع بين قيس وليلى ولكنَ المجنون هنا عمل على استنطاق المكان وجعله شخصية في نصه الشعري، شخصية يحاورها ويستمع إليها ويبثُّ الشكوى إليه، فلم يكن المكان هنا مجرد مكان، بل هو حبيب يذكره بالحبيب، نقف مع الأبيات التي قالها المجنون بعد لقائه بجبل التوباد الذي فارقه في لحظات جنونه:

 

وأجْهَشْتُ لِلتَّوْبَادِ حِينَ رَأيْتُهُ 

وكبَّرَ للرحمن حين رآني

 

وأذْرَيْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ لَمَّا عرفتُهُ

ونادَى بأعْلَى صَوْتِهِ فدَعَانِي

 

فَقُلْتُ له قد كانَ حولكَ جيرةٌ

وعهدي بذاك الصرمِ منذ زمانِ

 

فقال مضوا واستودعوني بلادهم 

ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
 

وأني لأبكي اليوم من حذري غداً 

فراقك والحيان مجتمعانِ

 

سِجَالاً وَتَهْتاناً ووَبْلاً ودِيمَة

 وسَحّاً وتسْجَاماً إلى هَمَلاَنِ

 الأغاني (2/35)
 

أرأيتُم كيف كان التوباد حبيباً إلى الشاعر!!

وكان كلما غاب عن بلده استرشد به، فهو القبلة الأولى في دائرة الحنين إلى الوطن، كذلك ليلى القبلة الأولى في دائرة الحب الخالد، وهي التي يسترجع ذهنه كلما ذكر اسمها.. المكان هنا خرج من دائرة الحدود والجهات إلى منبع الكمال والمشاعر فلم يجد الشاعر إلا محاورا لأنه لا يزال يحتضن اللحظة البكر في ذاكرة الحب...

 

 

هناك تعليق واحد: