الثلاثاء، 6 أبريل 2010

خالد المعمري في حوار لشرفات


حاوره عاصم الشيدي

حصل إصدارك الشعري الأخير " وحدك لا تسافر مرتين" على جائزة جمعية الكتاب في فترة بدأ فيه نتاجك الشعري يتراجع كما. ماذا تمثل لك الجائزة وهل ستغير من أي الخطوط التي تسير عليها؟

الأهم في ذات القصيدة هي ليس الكم ، وإنما هو مقدار ما تقدمه للقارئ ، فلا تتوقف المعيارية الشعرية على عدد القصائد التي يكتبها الشاعر في السنة مثلا ، وإلا فهناك من يمكننا أن نطلق عليه " الشاعر الفحل " ، إن جاز الوصف ، لكثرة ما يقدم في الشهر وليس في السنة . وما أصحاب الحوليات الذين كانوا يكتبون القصيدة ويعدلونها ويقدمونها في سنة كاملة إلا نموذج على النوع لا الكم . ويقال إن الشاعر الإنجليزي ( ت . س . إليوت ) صاحب قصيدة " الأرض اليباب " لم يكتب طيلة حياته إلا خمس قصائد !! . هذا تقاطع بسيط على هامش سؤالك ، أما ما يتعلق بجائزة الجمعية والتي حصلت خلالها على أفضل إصدار شعري لعام 2009 م ، فالجائزة في حد ذاتها تتويج أضيفه لرصيدي الشخصي ، لكل كلمة قدمتها للقارئ في هذا الإصدار . وهي دافع لكتابة المزيد من النصوص التي تستحق أن تقدم للقارئ مستقبلا .



لا تعتمد على الجرس الموسيقي الخارجي في نصك الشعري مكتفيا بجرس جواني يبنيه النص بتكامله. هل يمكن ان يحولك ذلك لكتابة قصيدة النثر؟

هو ليس بذلك المفهوم الذي تقصده ، صحيح أن الجرس الموسيقي الداخلي هو ما ترتكز عليه القصيدة بصورة أكبر ، لكن الجرس الخارجي أيضا موجود وإن جاء ضبابيا في أكثر مواضعه . فأنا أعمل على التنويع بين الجرسين الداخلي والخارجي وهذا ما يجعل القصيدة موسيقية بعيدة عن النثرية ، وعلى هذا ورد إلي هذا السؤال أكثر من مرة ، عن إمكانية كتابتي لقصيدة النثر . فأنا لا أعتقد أن قصيدة النثر تسكن هاجسي لا سيما في هذه المرحلة ، ثم إن الأدوات المتعلقة بقصيدة النثر لا تتوافر لدي حاليا . ثم إن قصيدة النثر ليس كما يظن الكثير من الشعراء بأنها قصيدة سهلة الحضور والاستدعاء ، القصيدة الحديثة تحتاج إلى اشتغال خاص وجيد ، فما يقدم اليوم من نصوص نثرية تنسب لقصيدة النثر هو في حد ذاته تجني على قصيدة النثر ، الكل يعتقد أن كتابة النص النثري كتابة سهلة بسيطة ، وقد يعتقد البعض أنه قادر على إصدار مجموعة لقصيدة النثر أو أكثر في فترة قصيرة ، قد يقوم الكثيرون بذلك ولكن من ينجح هو من يقدم اشتغاله في النص ، ويخدم النص خدمة كبرى .



نصك الشعري متأثر بالنص القرآني كما هو متأثر بنصوص وحكايات من الميثولوجيا هل هو هروب من واقع معين؟ أم شحن النص بدلالات هائلة قابلة للانفجار؟

ليس هروبا من أي واقع ، بل هي تقاطعات تشكلت في بنية النص تعمل على إثراء معجمه النصي بالدلالات القرآنية والتاريخية ، فتأتي النصوص متعالقة مع هذه الدلالات مكونة اشتغالا خاصا في البيئة النصية . أحيانا يحتاج النص الشعري لما يعضد فكرته فتترابط مكوناته بالشواهد القرآنية ، الحكايات ، التاريخ مكونة تناصا أدبيا في أديم النص ، وأحيانا أخرى تكون هذه الدلالات عبئا على النص الشعري ، كل ذلك يحتاج توظيفا جيدا في النص الشعري .





ما الأسئلة التي تراود خالد المعمري الشاعر ويبحث لها عن اجابات من خلال نصه؟

عند كتابة نصي الشعري ، وبعد كتابته ، يراودني سؤال مهم ، ما الشعر ؟ الشعر الذي نجري خلفه ونصوغ منه لوحة أدبية ، وقالبا فنيا . هل فهمنا – نحن الشعراء – المعنى الحقيقي للشعر والذي على إثره نحمل معه قيثارتنا الممتلئة إبداعا ؟ وهل فهم المتلقي معنى الشعر كي يحلم بقصيدة تحمله على جناح غيمة ؟ أو يحمل معه كتابا يضم بين دفتيه عنوانا شعريا . أتساءل كثيرا هل بحث المتنبي عن معنى الشعر وهو يقول :



على قلقٍ كأنَّ الرِّيحَ تحتي ..

أُوَجِّهُها جنوباً أو شمالا



وأتساءل أكثر هل فهم المتلقي معنى الشعر وهو يوجه سهامه للشعر وهو يقرأ المتنبي في :

أنا في أمةٍ تداركَها اللهُ ..

غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ



هذه المتضادات أو الثنائيات هي ما تشكل لي السؤال ذاته عند الكتابة ، فالشعر الذي يجذبنا إليه لا نزال نبحث عن هويته ، والشعر الذي نتلذذ به لا نزال نلقيه في غيابة الجب متحججين بقيود ومسميات كبلناه بها زمنا طويلا .



تكمل الآن دراستك، وتبحث في تجارب مجموعة من الشعراء. هل تعتقد أن الدراسة الأكاديمية في الشعر وأنت شاعر قد تؤثر على إبداعك وتجعلك تقولبه وفق مقولات نقدية قد تتبناها في بحوثك؟

ربما مسألة الدراسة الأكاديمية لها ارتباط بسيط بمسألة التراجع الكمي التي أسرت إليها في سؤالك الأول ، وأراك ربما تلمح لها هنا أيضا . على العموم أنا حاليا متفرغ لمشروع البحث الذي أقوم به ، وهو متعلق بالشعر العماني المعاصر في السنوات الأخيرة ، وهذا حتما يحتاج لكثير من الوقت والجهد ، لذلك فأنا أجلت أغلب مشاريعي الأخرى من أجل هذا المشروع ، فطبيعي أن يكون الشعر واحدا من الذين وجدوا الطريق ممتلئا زحاما ، ومن الطبيعي أن أقف وقفة أخرى أتأمل فيها قصائدي السابقة ومدى النضج التي وصلت إليه من عدمه ، فكان هذا القرار قبل دخولي مشروع الدراسة . هذه الفترة هي فترة أعيش فيها مع تجارب الآخرين مع المراحل النقدية ، مع الدراسات النقدية التي قدمت للشعر والشعراء ، وقصيدتي ستكون بمعزل عني ، علها تجد طريقها بعد ذلك بنفس الروح التي هي عليه الآن . وينبغي أن أشير هنا فقط إلى أن النص الشعري هو ما يسيِّرُ النقد كيفما أراد ، لا النقد هو ما يسير الشعر كيفما أراد ، ومتى ما خرج الشاعر من كونه شاعرا لينظر إلى نصه بعين الناقد لا الشاعر فهنا تتحول القصيدة إلى نص مصطنع متكلف فيه ، بعيد عن الشعرية التي أريد له أن يكون فيها ولا أظنني سأنظر لقصيدتي يوما بعين الناقد ، مثلما هو الأب لا ينظر لابنه بعين الجار بل بعين الأب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق