الأحد، 13 ديسمبر 2009

أدونيس في الثابت والمتحول


الاتباع والابتداع ، أو ما يسميها أدونيس بالثابت والمتحول هما محور الكتاب الذي بين أيدينا ، فيعرف الثابت " بأنه الفكر الذي ينهض على النص ، ويتخذ من ثباته حجة لثباته هو ، فهما وتقويما ، ويفرض نفسه بوصفه المعنى الوحيد الصحيح لهذا النص ، وبوصفه ، استناداً إلى ذلك ، سلطة معرفية " ، كما يعرف المتحول " بأنه إما الفكر الذي ينهض ، هو أيضا ، على النص ، لكن بتأويل يجعل النص قابلا للتكيف مع الواقع وتجدده ، وإما أنه الفكر الذي لا يرى في النص أية مرجعية ، ويعتمد أساسا على العقل لا على النقل . " ، ويرى أدونيس أنه على امتداد التاريخ " لم يكن الثابت ثابتاً دائما ، ولم يكن المتحول متحولا دائما " . ( الثابت والمتحول ، ج 1 ، ص 13 – 14 )
يذهب أدونيس في كتابه على " أن الاتجاه الذي قال بالثابت النصي على المستوى الديني ، قاس الأدب والشعر والفكر بعامة على الدين وبما أنه لأسباب تاريخية كان يمثل رأي السلطة ، فإن الثقافة التي سادت كانت ثقافة السلطة – أي أنها كانت ثقافة الثابت "
( الثابت والمتحول ، ج1 ، ص 14 ) ، وعليه فإن أدونيس هنا يعرض في فصول كتابه صراعا بين القديم والحديث ، الاتباع والابتداع ، أو ما يسميه بالثابت والمتحول ، وصولا إلى حاجة الحديث في الخروج على القديم ، من خلال أشهر حركات التحرر الأدبي ، والسياسي ، والفكري وغيرها ، فيعرض في أصول الاتباع أو الثبات الاتباعية في الخلافة والسياسة ، والسنة والفقه ، والشعر والنقد ، ليبين من خلالها كيف أصول الاتباع في هذه الأمور ، ثم يعرض الخروج الكبير عليها من خلال أشهر الحركات متتبعا مسيرة التاريخ فيها ، كالحركات الثورية التي خرجت على الخلافة والسياسة ، والحركات الفكرية التي شكلت نواة اجتهادية جديدة في السنة والفقه ، والحركات الشعرية التي خرجت على نظام الشعر القديم . ويمضي أدونيس في المجلد الثاني في تأصيل الاتباع أو الثبات كتأصيل الأصول الدينية عند الشافعي وتأصيل الأصول الشعرية والبيانية عند الأصمعي والجاحظ ، وفي ذات الوقت تأصيل الإبداع أو التحول من خلال ثورة الزنج وحداثة أبي نواس وأبي تمام ، وكذلك من خلال عرض جدل الاتباع والإبداع أو القديم والمحدث ، ليصل بعد ذلك في المجلدين الأخيرين لعرض الآراء والحركات التقليدية والحديثة في الدين والأدب والفكر .

إن المتأمل في كتاب الثابت والمتحول لأدونيس يجد من خلاله مشروعا يصدر عنه فكر خاص بمنهجية يمكننا تسميته بالفكر الأدونيسي ، حيث يتوجه أدونيس لتحديث الفكر العربي منطلقا من توجهات وآراء حديثة ، دون الحاجة للعودة للماضي ، فيرى أدونيس "أن الاتباعية توجه الذائقة العربية ، ففي فترة النهضة كانت الحركة هذه في معظمها استعادة للماضي وأن القوى التي حاولت أن تبدع شيئا آخر غير ما عرفه الماضي قيل عنها إنها غريبة عن التراث العربي " ، لذا ينطلق أدونيس في تحديث الفكر العربي من خلال بناء الحديث وإغفال للقديم ، وإن أشار في مجمل كلامه إلى " أنه يجب الانفتاح على الحاضر ، ولكن في الوقت ذاته يجب عدم الإغفال الماضي " ( الثابت والمتحول ، ج 1 ، ص 73 ) ، إلا أنه ضمنيا ومن خلال عرضه للحركات التي خرجت على القديم ، وشكلت نواة حقيقية للإبداع ونبذ الاتباع ، فإنه يذهب إلى إغفال التراث في تحديث الثقافة والفكر العربي ، ويقتصر على بناء فكر حديث قائم على الحديث فقط .
تكمن إشكالية أدونيس هنا أن تحديث الفكر العربي مرتبط في سياقاته المختلفة بين الطرفين ، فالحديث إكمال للقديم ، وللقيام بعملية التحديث فعلينا قراءة القديم للوصول للفكر الحديث ، فأدونيس قاد هجوما حاداً على التراث والتقاليد الأدبية العربية وظن أنه سيصل بطموحه إلى الأعالي على الأشلاء التي خلفتها معركته مع الموروث العربي لغة وأدبا ، إلا أن أدونيس – نتيجة وقوفه على الفكر الغربي - اكتشف أن التجديد في الشعر مرهون باستمرارية تمتد في الحاضر من الماضي ، وبهذا أعاد النظر في استراتيجيته وعبر عن هذا التراجع والمراجعة في كتابه الصوفية والسوريالية كما أشار محمد شاهين في مقال الحركة التصويرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق