الثلاثاء، 17 مارس 2015

أدونيس والمنفى...



لو طُلِبَ من أدونيس أن يكتبَ شهادةً أخرى عن المنفى على غرار شهادته التي كتبها لندوة (الأدب والمنفى) التي دعا إليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في الدوحة 2007م، لو طُلِبَ منه ذلك، ماذا عساهُ أن يكتبَ هذه المرة؟!

هل سيكتبُ عن المنفى الذي عاشه والذي يرى من خلاله منفى لا تحدُّه الحدودُ الجغرافية؟ ولا تؤثر فيه تغيّر الأمكنة؟ هل سيروي لنا صُوَراً من منفاهُ الأول؟ أم سيكتب لنا قصيدةً عن المنفى بوصفه منفى داخلياً، يحيلُ إلى تقاطعاتٍ ذاتيةٍ عملتْ على تشكيلِ فكرٍ مغايرٍ لما كانت عليه الفكرةُ الأولى؟

تساؤلات تتداخلُ لديَّ وأنا أقرأ موضوع أدونيس "مكانٌ آخرُ في ما وراء الوطن والمنفى" من كتابه (رأس اللغة جسد الصحراء) تناول فيه الحديث عن المنفى، فأكّد خلاله في أكثر من موضع أنَّ منفى أدونيس هو المنفى الداخلي المتمثل في منفاه الأول الوطن الذي وُلِدَ فيه، والثقافة التي رُبّيَ عليها. (ص21) هذا المنفى ظل حاضراً معه، يُلازمه، فكان لا بد من تخطّي هذه الحال، والبحث عن تجربة تسمح بالعبور إلى خارج هذا النفي الذي يعيشه، إلا أنَّ نفيه الداخلي ظل مسيطراً لم يخدش جِدارَهُ تغييرُ الأمكنة ولا غيرها.

يتناول أدونيس في موضوعه صُوَرَاً من نفيه الداخلي والتي منها: منفاه الأصلي في الطائفة، الذي دفع به حد التساؤل عن انتمائه الطائفي والتخلص من هذا الانتماء. إلا أنه وبقراءة المشهد في سنواته الأخيرة يظهر أن تساؤلات أدونيس لم تكن تتحرك في دوائر النفي والتحرر منها بقدر ما هي أسئلة كونية يتطلبها رصيد الفكر العربي؛ فقد ظلَّ منفى أدونيس داخل الوطن/ الطائفة يحاصر قلم كتابتهِ، ويعيد عليه ابتناء أولوياتٍ داخلية تجاه هذا المنفى. فعند قراءة الخطاب الثقافي لدى أدونيس وبالتحديد عن منفاه الوطن نجد مدى تأثير الوطن/ الطائفة/المنفى لديه، فنتذكرُ حين اندلعت الثورة السورية صرَّحَ قائلا: "لن أشارك في ثورةٍ تخرج من المساجد". وبعدها بفترة بعث برسالته إلى الرئيس بشار الأسد طالباً منه تطبيق الديمقراطية والابتعاد عن الحزبية والطائفية.

هذا الخطاب يحمل داخله لغةً دقيقةً لطول المسافة التي كانت بين أدونيس الكاتب، والوطن المنفى، والطائفة كثقافةٍ، لغةً استثمرها طوال سنواتٍ يعيد خلالها تأطير مشروعه الفكري والثقافي والشعري. لغةً استمدَّتْ رؤيتها من مشروعه التحديثي إضافة إلى التراث كمقومٍ راسخ في الثقافة العربية.

أليس المنفى بعد ذلك، رؤية ومشروعاً اتّكأ عليه أدونيس في بناء خطابه الثقافي، ولكَ أن تقرأ ما كتبه شعراً ونثراً، لتجد ملامحَ المنفى بارزةً وبصورة تدعو للتأمل، لمَ لا وهو الذي يكتب عن منفاه منذ كانت طفولته في قريته، وكأنَّ المنفى الرفيق الأزلي طيلة السنوات الطويلة..

إذا كانَ أدونيس في شهادة الأدب والمنفى عرضَ صورةً لمنفاه "الفردي"، بذكره للمنفى داخل الوطن/ داخل الطائفة/ وداخل الاسم كذلك، فإنَّ هناك صورة أخرى خلاف "المنفى الفردي" وهي صورة المنفى "الجمعي" داخل الوطن، والثقافة، والمكان، والطائفة، والحرية، صورة النفي داخل/ خارج الحدود لأبناء وطنه، والذين هُجِّروا بعيداً عن نطاق الديمقراطية المزعومة. فهل سنقرأ شهادةً أخرى لأدونيس مليئةً بالمنافي داخل وطنه، تضجُّ بلغاتِ الكونِ المثخنة غربةً وانصهاراً مع العالم؟!

 

همسة:

أكادُ أجزمُ أن كلَّ مبدعٍ يعيش منفى يختصُّ به، يمثِّلُهُ، يكتُبُه، يسكُنُهُ وإن أقام بيننا طويلاً، يقول درويش:

أيُّ منفى تريدين؟

هل تذهبينَ معي؟ أم تسيرينَ وحدَكِ

في اسمكِ منفىً يكلِّلُ منفىً

بلألائه؟

 

 

هناك تعليقان (2):

  1. طريقة كتابة السيرة الذاتية بالانجليزي
    هو أمر في غاية الاهمية ويسعي اليه الكثير من الأشخاص وذلك بعد انتهاء المرحلة الجامعية لذا نحرص من خلال موقعنا على منحكم سيرة ذاتية بأسهل الامكانيات و الطرق.

    ردحذف