الجمعة، 25 أكتوبر 2013

كتاب (أيام من حياتي) لزينب الغزالي







 

هذا الكتاب يتناول فترة زمنية مرت بها الحياة السياسية في مصر، وهي الفترة التي حكم فيها الرئيس المصري "جمال عبدالناصر"، وطبيعة العلاقة التي كان يشوبها التوتر بين معارضيه والذين كان في مقدمتهم "جماعة الإخوان المسلمين".

ولئن كان هذا الكتاب يتحدث عن طبيعة الصراع السياسي بين فئتين مختلفتين فكريا وسياسيا، فإن المشهد السياسي الحالي في مصر يكاد يتكرر مرة أخرى بعد مضي أكثر من أرعين عاما، وإن ما صورته زينب الغزالي في كتابها "أيام من حياتي" من واقع العلاقة بين جمال عبدالناصر وجنوده وجماعة الإخوان المسلمين يعود مرة أخرى في صورة أخرى لجمال آخر، وصنوف العذاب التي كانت تتلقاها الجماعات الإسلامية في عهد عبدالناصر تكاد تكون مشابهة للواقع الحالي، وكأن المشهد المعاصر من واقع قراءته الجديدة يؤكد على أن الصراع بين الإسلاميين وغيرهم من الفئات الأخرى صراع ممتد إلى أبعد مدى، ولا توقفه تيارات الوطنية والعروبة التي يتم التغني بها طويلا.

إن هذا الصراع ضارب في جذور الأرض، فكرا وثقافة وقراءة تخيلية لما هو آت. ولذلك فإن العلاقة قد تفتر قليلا لكنها لا تخبو أبدا على ما يبدو.

تمضي زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي) وهو كتاب يتناول سيرتها الشخصية في فترة حكم جمال عبدالناصر، فتمضي ساردة العلاقة المنقطعة بينها وبين جمال عبدالناصر؛ حيث تصور هذه العلاقة بالكراهية، وأنه يحاول أكثر من مرة لاستمالة قلمها وفكرها الإسلامي للدخول في حكومته، حيث رشحها لمنصب وزيرة التنمية الاجتماعية ولكن ذلك بشروط كما تشير هي نفسها في الكتاب.

إن هذا الكتاب يحتفي بالمكان أكثر من أي شيء آخر، فالأيام التي تتحدث عنها زينب الغزالي هي أيام دارت أحداثها في السجون الناصرية فتعمل زينب على وصف هذه السجون ومراحل العذاب التي يتعرض لها أبناء الشعب المصري (إما بالكلاب، وزنازين الماء، وزنازين النار، والسياط الملتهبة، وغيرها من ألوان العذاب والولايات)، كل ذلك بسبب خلاف أزلي وصل بها إلى الاعتراف أن جمال عبدالناصر لا يحكم شرع الله ويبطل العمل بالقرآن.. بل حتى جنوده أو متسميهم بزبانيته لا يملكون الرحمة ولا الشفقة بل هم أداة مسلطة يسيرها عبدالناصر كيفما شاء، تقول على لسان شمس بدران (أحد الذين تولوا تعذيبها والتحقيق معها): "أما زلتِ تعتقدين في وجود إله؟! أنتم مهزومون من سنة 1948 إلى الآن- انهزمتم لما قاومتم فاروق، وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة 1954 وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة 1965. فأين ربكم الذي تزعمون؟!!" (ص146)، وتقول: "ويأمر شمس بدران صفوت بإيقافي. كنت في غاية الألم والجهد فحاولت أن أستند إلى الحائط فيبعدني صفوت عن الحائط بسوطه!!.. فأقول لهم: دعوني أجلس على الأرض فيقول شمس بدران: لا..لا.. أين ربك؟ ادعيه لينقذك من يدي.. نادي عبدالناصر وانظري ماذا يحدث.. ولم أرد عليه، فيستمر في جاهليته: ردي علي! أين ربكم؟!! فلزمت الصمت فقال: ردي!!." (ص106)، وفي موضع تروي عن صفوت الذي يعذبها: "أنتِ هنا في جهنم عبدالناصر.. إذا قلت يا رب فلن ينقذك أحد، ويا سعادتك لو قلت يا عبدالناصر.. فستفتح لك الجنة" (ص 110) ويقول آخر أيضا: "أنتِ فاهمة ربكم عنده جهنم صحيح؟! جهنم هنا عند عبدالناصر.. الجنة عند عبدالناصر جنة موجودة حقيقية.. وليست جنة وهمية خيالية مثل التي يعدكم بها ربكم!!" (ص121)

ثم تصف المحاكمة التي جرت والتي ينقصها كثير من العدل إذ تصور هذه الحياة بالغابة التي يغيب عنها الأمن والعدل حيث تم الحكم على أبرز قيادي الجماعة كسيد قطب وعبدالفتاح عبده إسماعيل بالإعدام والحكم عليها بالسجن المؤبد 25 سنة.

هذا الكتاب في مجمله صوره واقعية لما وقع للجماعة الإسلامية الأبرز في ذلك الوقت عملت الداعية زينب الغزالي على نقل الأحداث صغيرها وكبيرها وتقديمها للقارئ الذي سيأتي بعد ذلك بسنوات ليطلع على ذلك المشهد ويتعرف أسراره ويفك شفراته ويطلق أحكاما.. ولئن عملت زينب على رسم ذلك المشهد في صورته فأغلب الظن أن جماعة الإخوان وكثير من المهتمين خارج مصر بحاجة لمن يكتب لهم ما يجري من واقع معاش لا سيما في ظل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي وأظن أن شخصا كالدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين قادر على أن يصف الخطاب العنيف ضد الجماعة لا سيما وأنه عايش مرحلتين مختلفتين بكل ما فيهما من البلاء، المرحلة الأولى مرحلة محاكمة سيد قطب وزملائه إذ كان بديع واحدا من المجموعة التي حوكمت وعذبت. والمرحلة الحالية التي نحن بصددها الآن والتي انتهت بحل الجماعة وإلقاء أبرز رموزها في السجن...

 

الكتاب: أيام من حياتي

المؤلف: زينب الغزالي

مصر: دار النشر والتوزيع الإسلامية

الطبعة: الأولى 1999م

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق