الخميس، 29 أبريل 2010

ْْ إيـــران تتحدثُ شعراً ْْ



في البدء كانت علامات التعجب والاستغراب تلوح في الأفق ، وذلك عندما علم البعض عن مهرجان الشعر العالمي الذي تنظمه جمهورية إيران الإسلامية ؛ والسؤال الذي كان يطرح نفسه ما دخل إيران في مهرجان للشعر ، وكيف سيفهم الناس هناك شعرا يقال بلغة أخرى . ولكن جميع هذه الأطروحات كانت بعيدة جدا ، فالذي شارك في المهرجان عرف الصورة الحقيقية من وراء هذا المحفل الكبير . خمسون شاعرا من مختلف دول العالم ، وخمسون شاعرا إيرانيا اجتمعوا في ثلاث مدن إيرانية ( طهران – أصفهان – شيراز ) لتقديم صورة للشعر من أقطار مختلفة ، لم يجمعهم إلا الشعر بعد أن فرقتهم أمور أخرى ، الكل وجد في الشعر متنفسا ليعبر به عما يريد ، والمنظمون كانوا على قدر عال من المسؤولية والدقة . التجارب تفاوتت ، واللغات اختلفت ، ولكن في الأخير كان الشعر حاضرا . ما أعتقده أن الجميع خرج بفوائد عظيمة من هذا المحفل ، منها أن الواحد قد حظي بمعرفة شاعر في قطر من أقطار العالم ، ومنها التعرف على التجارب الشعرية لدى عدد من الشعراء في تلك الدول ، ومنها الوقوف على عدد من الإصدارات المختلفة سواء باللغة العربية أم بلغة أخرى ، ومنها التعرف على التجربة الأدبية الإيرانية عن قرب وذلك عن طريق لقاء الشعراء والمترجمين الإيرانيين والوقوف على إبداعاتهم ، وأهم الفوائد التعرف على الوجه الحقيقي لإيران غير ذلك الوجه الذي كان يصوره لنا الإعلام ، وهذا ما لمسه كثير من المشاركين غيري . إيران قدمت تجربة رائعة في تنظيم مهرجان كبير كهذا ، أرادت التواصل مع جميع مثقفي العالم ، أرادت لكتّابها الترابط مع كتاب العالم . هي تجربة جميلة لي أن أتعرف على أقلام إيرانية جميلة كالشاعر والقاص والمترجم " موسى بيدج " أحد مؤسسي مجلة شعر ، ورئيس تحرير مجلة " شيراز " الناطقة باللغة العربية ، وغيره من الشعراء الذين قرأت لهم نصوصا مترجمة للعربية وجدت فيها عمقا وجمالا لم أجده عند كثير من شعرائنا العرب .



خمسون شاعرا اجتمعوا من بلدان عالمية ( اليونان – رومانيا – بلغاريا – تركيا – سوريا – الأورجواي – طاجيكستان – جورجيا – قرقيزستان – الصين – الفلبين – أندونيسيا – الهند – باكستان – بنغلاديش – أفغانستان – قطر – السودان – فلسطين – الأردن – كينيا – لبنان - العراق – تونس - عمان ) وغيرها ، قدموا أشعارهم أمام جمهور احتشدوا لمتابعة المشهد عن قرب ، ليس ذلك فقط فإن اللجنة المنظمة قامت بجهد كبير في هذا المهرجان يتمثل في جمع نصوص المشاركين من هؤلاء الشعراء باللغة الإنجليزية ومن ثم ترجمتها للفارسية وذلك من أجل إيصال تجارب هؤلاء الشعراء للقارئ الإيراني .



طهران :

جمعت الكل في احتفال مثير حضره رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد ، هناك كانت بداية التعرف على الجمهور الإيراني ، حيث التفوا يسألون عن نصوص سمعوها . طهران كانت بداية التعارف بين الشعراء ، شعراء وكُتّاب كنت أسمع عنهم وتعرفت إليهم في المهرجان ، الدكتور عز الدين المناصرة وحوار بسيط في السيارة من المطار إلى الفندق ، ومن ثم لقاءات في الفندق ، المناصرة رغم كبر سنه إلا أنه متواضع جدا ، أذكر أني حضرت له أمسية شعرية في كلية العلوم التطبيقية بصحار عندما زارنا عام 2003 أو 2004 تقريبا وهذه المرة نجلس سويا نتحدث عن الشعر وغيره . عمر أحمد قدور والفاتح حمدتو هما الآخران كانا على درجة كبيرة من التواضع ، كانا يمثلان نفسيهما ويمثلان السودان ويمثلان العرب لأنهما في اتحاد الكتاب العرب ، حوارات جميلة معهما ، وجلسات أجمل . نوري الجراح سمعت عنه من قبل وقرأت له ، وهذه المرة ألتقي به وجها لوجه في طهران ، أحسست للوهلة الأولى أنه ابن عشرين عاما بحيويته ونشاطه المستمر حوارات دائمة معه ومتنقلة . منير مزيد الفلسطيني الأصل ، المقيم برومانيا ، اقتربت منه كثيرا ، أدهشتني كثيرا لغته الرائعة في نصوصه النثرية ، الإيقاع الداخلي ، أذكر أني قلت له بعد الأمسية التي ألقى فيها ، أن الإيقاع الداخلي غطى على الوزن فكأن قصيدة النثر عنده قصيدة تفعيلة ، وغيرهم من الشعراء العرب كالصديق خالد المحمود من دولة قطر الشقيقة الذي قضينا معا أوقاتا جميلة .



إذن التجربة كانت في الاحتكاك بين الكل ، الحوارات التي كانت تدور هنا وهناك . طهران فتحت الباب الأول للمهرجان ، لتفتح المدن الأخرى هي أيضا أبوابها لنا .



أصفهان :

بلد " أبو الفرج الأصفهاني " و" الراغب الأصفهاني " وغيرهم من العلماء ، أصفهان بلد قديمة قدم إبداعها التاريخي ، هي الأخرى لم تبخل على الشعراء بلحظة شعر ، والمهرجان مر عليها ربما لإحياء ذكرى علمائها وكتابها وشعرائها ، والذي كان من برنامج المهرجان زيارة لضريح الشاعر " صائب التبريزي " الذي ولد في هذه البلدة ودفن فيها . بلد كأصفهان قدمت أسماء عظيمة ، حق لها أن تفتخر بمرور شعراء العالم عليها ، وأن تحتضنهم احتضان الأم . الزيارة كانت قصيرة لها لكنها كانت جد رائعة .



شيراز :

ماذا سأقول عن شيراز ؟ إنها مختلفة جدا ، ولأهلها أن يفتخروا بها ، فقد أنجبت عظماء الشعر الإيراني القديم ، " سعدي الشيرازي " ، و " حافظ الشيرازي " ، ولا تزال تخلد ذكراهم لليوم ، باحتضان أضرحتهم ، الكل يزورهما لقراءة الفاتحة . شيراز تحتضن فعاليات لمهرجان هي الأخرى فخورة بالشعر وهي بلاد الشاعرين الكبيرين . لحظة وقوفي أمام الجمهور في جامعة شيراز ، لم يخيل إلي أنني أقف أمام جمهور لا يتحدث العربية ، داهمني إحساس أنهم يتقنون اللغة العربية ، وهذا ما فهمته من اندماجهم معي لحظة الإلقاء ، أو من كلامهم بعد الأصبوحة وبلغتهم العربية البسيطة كانوا يقولون " قلتَ شعرا جميلا " . شيراز احتفلت بابنيها سعدي وحافظ ، في منطقتهما " حافظية ، وسعدية " أمام ضريحيها ، فأي شعر يمكن أن يقال أمامهما ؟

الجمهور الإيراني جمهور واع ، جمهور يحب القراءة ، كان ذلك واضحا من متابعتهم المستمرة للكتب المترجمة ، والمثقفون الإيرانيون أيضا قائمون بأدوار كبيرة لنشر الثقافة العالمية عن طريق الترجمة ، وحقيقة ما لقيناه في إيران يدل على اهتمام هذا البلد بالجانب الثقافي ، والسير قدما لنشر الثقافة الفارسية للعالم ، وخير دليل على ذلك مجلة شيراز الناطقة باللغة العربية والتي تقدم صورة جميلة عن الأدب الفارسي ، لقد قمت بتقليب صفحاتها بعد أن أهديت لي أعدادها السابقة ، إنها مجلة تبذل جهدا كبيرا لنشر الثقافة الفارسية للقارئ والمحيط الخارجي .



مهرجان الشعر العالمي ، صورة للجهد الذي تبذله دولة كإيران في احتضان الثقافة والمثقف ، وربطهم مع مختلف مثقفي العالم ، لقد عكست إيران حقا الدور الذي ستلعبه مستقبلا في خدمة الثقافة وذلك من خلال تنظيم المهرجانات ، والترجمة ، والنشر الأدبي ، لتكون هي ذاتها في قائمة الدول ثقافيا . فألف تحية لها لدورها الكبير .








خالد المعمري


23 / 4 / 2010 م


مطار البحرين الدولي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق