التائية
الكبرى التي قالها دعبل الخزاعي في مديح آل البيت وبكاء مقاتلهم وهجاء خصومهم. وهذه
القصيدة طالها التغيير كثيرا، وامتدت يد الزيادة في أكثر من موضع حتى وصلت إلى
أكثر من مائة بيت، وقد وضعتها هنا وقارنتها بما جاء في كتاب "شعر دعبل
الخزاعي" للدكتور عبدالكريم الأشتر وحذفت ما سواها من الزيادة وإن كان
الدكتور يشير إلى زيادات في بعض المواضع منها. القصيدة من البحر الطويل وعلى قافية
التاء المكسورة.
وأكثر شعر دعبل في الهجاء وفي مدح آل البيت
ورثائهم، وقد تخرج في الشعر على مسلم بن الوليد. وجاء في معجم الأدباء:
"قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدائح، قصد بها أبا علي
بن موسى الرضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم وخلع عليه بردة من ثيابه... ويقال
إنه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه..."
مَدارسُ آياتٍ خَلت من تلاوةٍ ومنزلُ
وحيٍ مُقفرُ العرصاتِ
لآلِ رسول الله ، (بالخيفِ) من (مِنىً) و (بالركن)
و (التعريف) و (الجمرات)
ديارُ (عليٍّ) و (الحسين) و (جعفرٍ)
و(حمزةَ) والسجاد ذي الثفناتِ
دِيارٌ عَفاها جَورُ كلِّ مُنابذٍ ولمْ
تَعْفُ للأيامِ والسنواتِ
قِفَا نسألِ الدَّارَ التي خفَّ أهْلُها:
متى عَهْدُها بالصَّومِ والصلواتِ ؟
وأينَ الألى شَطّتْ بهم غَربةُ النّوى
أفانينَ في الآفاق مُفترقاتِ
هُمُ أهلُ ميراثِ النبي إذا اعتزوا
وهمْ خيرُ قاداتٍ وخيرُ حُماةِ
وما النَّاسُ إلاَّ حاسِدٌ ومُكَذِّبٌ
ومُضْطَغِنٌ ذو إحْنَةٍ وتِراتِ
إذا ذَكَروا قَتْلى (بِبَدْرٍ) و (خَيْبَرٍ)
ويَوْم (حُنَيْنٍ) أسْبَلُوا العَبَراتِ
وكَيْفَ يُحِبُّونَ النَّبيَّ ورَهْطَه
وهُمْ تَرَكْوا أحْشَاءَهُمْ وغِراتِ
لقدْ لايَنُوهُ في المقالِ وأضمَروا
قُلوباً على الأحْقادِ مُنْطَوياتِ
قُبورٌ (بكوفانٍ) وأخْرى (بِطَيْبَةٍ)
وأخْرى (بفَخٍّ) نالَها صَلَواتي
وقبر بِأرْضِ (الجُوزَجانِ) مَحَلُّها وقَبْرٌ (بباخَمْرا)
لدَى القُرُباتِ
وقَبْرٌ (بِبغدادٍ) (لِنَفْسٍ زَكيَّةٍ)
تَضَمَّنَها الرحمنُ في الغُرفاتِ
وقبر (بطوس) يا لها من مصيبة تردد
بين الصدر والحجباتِ
فأمّا المُمِضّاتُ التي لسْتُ بالغاً
مَبالِغَها مِنّي بِكُنهِ صِفَاتِ
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما
يفرج عنها الهم والكرباتِ
نفوس لدى النهرين من أرض
(كربلا) معرسهم منها بشط (فراتِ)
أخافُ بِأنْ أزْدارَهُمْ فَتَشُوقني
مَصَارِعُهُمْ بالجِزْعِ (فالنَخَلاتِ)
تَقَسَّمّهُمْ رَيْبُ الزَّمانِ فما تَرى لَهُمْ
عَقْوةً مَغْشِيَّةَ الحُجُراتِ
خسوى أنَّ مِنْهُمْ (بالمدينةِ) عُصْبَةً مدى الدهْرِ
أنْضاءً مِن الأزَماتِ
قليلةَ زُوّارٍ سِوى بَعْضِ زُوَّرٍ
مِن الضَّبْعِ والعِقْبانِ والرَّخَمَاتِ
لَهُمْ كُلَّ حينٍ نَوْمَةٌ بِمَضاجِعٍ لَهُمْ في
نواحي الأرْضِ مُخْتَلِفاتِ
وقدْ كانَ مِنْهُمْ (بالحجازِ) وأهْلِها
مَغَاويرُ نَحَّارونَ في السَّنَواتِ
تَنكَّبُ لأواءُ السّنينَ جِوارَهُمْ
فلا تَصْطلِيهِمْ جَمرةُ الجَمَراتِ
حِمَىً لمْ تَزُرْهُ المُذنِباتُ وأوْجُهٌ
تُضيءُ لَدى الأسْتارِ في الظُّلُمَاتِ
إذا أورَدُوا خَيلْاً تَسَعَّرُ بالقَنا
مَساعِرُ جَمْرِ الموتِ والغَمَراتِ
وإنْ فَخَروا يَوْماً أتَوْا(بِمُحَمَّدٍ)
و(جِبْرِيْلَ) والفُرْقانِ ذي السُّوراتِ
أولِئكَ لا أبْناءُ (هِنْدٍ) وتِربِها
(سُمَيَّةَ) من نَوْكى ومِنْ قَذِراتِ
مَلامَكَ في آلِ النَّبيِّ فانَّهُمْ
أحِبّايَ ما عاشُوا وأهلُ ثِقاتي
تَخَيَّرتُهُمْ رُشْداً لأمري فإنّهم
على كُلِّ حالٍ خِيرةُ الخِيراتِ
نبَذْتُ إليهِمْ بالمَوَدّة جاهداً وَسلَّمتُ نفسي
طائِعاً لِوُلاتي
فيا رَبِّ زِدني من يقيني بَصيرةً وزِدْ
حُبَّهُمْ يا رَبِّ في حَسَناتي
بِنفسيَ أنتمْ منْ كُهولٍ وفِتيةٍ لِفَكِ
عُناةٍ أو لحملِ دِياتِ
وللْخيْلِ لَمَا قيَّدَ الموتُ خَطوَها
فأطْلَقْتُمُ مِنْهُنَّ بالذَّرباتِ
أحبُّ قَصِيَّ الرِّحمِ من أجْلِ حُبِّكُمْ
وأهْجُرُ فيكم أسْرَتي وبَناتي
وأكتُمُ حُبِّيكُمْ مَخَافَةَ كَاشحٍ
عنيدٍ، لأهْلِ الحَقِّ غَيرِ مُواتِ
لقد حفت الأيام الدُّنيا حولي بشرها
وإني لأرجُو الأمنَ بعدَ وَفاتي
ألمْ تَرَ أني من ثلاثينَ حِجَّةً أروحُ
وأغدو دائمَ الحَسَراتِ
أرى فَيْئَهُمْ في غيرِهِمْ مُتَقَسَّماً وأيدِيَهُمْ
من فيئهمْ صَفِراتِ
فآلُ رَسولِ اللهِ نُحْفٌ جُسُومُهُمْ
وآلُ (زيادٍ) غُلَّظُ القَصَراتِ
بَناتُ (زيادٍ) في القُصورِ مَصُونةٌ
وآلُ رسُولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ
إذا وُتِروا مَدُّوا إلى واتِريِهِمُ
أكُفاً عن الأوتارِ مُنقَبِضَاتِ
فَلولا الذي أرجُوه في اليوم أو غَدٍ
تَقَطَّعَ قلبي إثْرهُمْ حَسَراتِ
خُروجُ إمامٍ لا محالةَ خَارجٌ يَقومُ
على اسمِ اللهِ والبَرَكاتِ
يُمَيِّزُ فينا كُلَّ حَقٍ وباطِلٍ
ويَجْزي على النَّعْماءِ والنَّقَماتِ
سأقصرُ نفسي دائِماً عنْ جِدالهِمْ
كفانيَ ما ألقى من العَبَراتِ
فيا نَفْس طيبي، ثم يا نَفْس أبشري
فَغَيرُ بَعيدٍ كُلُّ ما هُوَ آتِ
ولا تَجْزَعي مِنْ مُدَّةِ الجَورِ
إنني كأني بها قدْ آذنت بِشَتاتِ
فإنْ قرَّبَ الرحمنُ من تلكَ مُدَّتي
وأخَّرَ من عُمري لِيومِ وفاتي
شَفَيتُ، ولمْ أتْرُكْ لِنفسيَ غُصَّةً
ورَوَّيتُ مِنْهُمْ مُنْصُلي وقَناتي
عَسى اللهُ أنْ يأوي لذا لخَلقِ إنَّهُ
إلى كُلِّ قَوْمٍ دائِمُ اللَّحَظاتِ
أحاولُ نقلَ الشُّمس منْ مُسْتقرِّها
وإسْماعَ أحجارٍ من الصَّلَداتِ
فَمِنْ عارفٍ لمْ يَنْتَفِعَ ومُعانِدٍ
يميلُ مَعَ الأهواءِ والشَّهَواتِ
قصارايَ مِنْهُمْ أنْ أؤوب بغُصّةٍ
تَرَدَّدُ بينَ الصَّدرِ واللهَوات
إذا قلتُ عُرفاً أنكروهُ بِمُنْكَرٍ
وغَطّوا على التَّحقيق بالشُّبُهاتِ
كَأنَّكَ بالأضْلاع قَدْ ضاقَ رُحْبُهُا لِما ضُمِّنَتْ
منْ شِدّةِ الزَّفَراتِ
ينظر كتاب: شعر دعبل علي الخزاعي
صنعة الدكتور عبدالكريم الأشتر
الطبعة الثانية
دمشق
1983م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق