سمعتُ كثيراً عن أممٍ وشعوبٍ أصبحَ الكتابُ رفيقها في حلها وترحالها. يجالسهم جُلَّ يومهم، فإذا سافر الواحدُ منهم عبر القطار أو انتظر في المحطة لا تجده إلا ممسكا كتابه أو مجلته منهمكاً في القراءة، وإذا استعدَّ للنوم أخرج من تحت وسادته كتابا صغيرا يقلب بعض صفحاته قبل أن ينام، وإذا مشى في الطريق يحمل كتاب الجيب في حقيبته الصغيرة فلربما جلس ينتظر في مكان ما فيفتح صفحات ذلك الكتاب.
كل ذلك سمعناه عن مجتمعات تهتم بالقراءة؛ لأن القراءة غذاء للعقل مثلما هو الطعام غذاء للجسد. لقد عزفت مجتمعاتنا عن القراءة، فأصبحت القراءة عاملا مرتبطا بالدراسة فقط [مع معاناة المعلمين طبعا في دفع الطلاب لذلك]، فأصبح الطالب في أي مرحلة دراسية كانت لا يقرأ إلا ما يقربه من الاختبار، خلاف ذلك فإن الكتاب برائحة المطبعة التي هو عليها يبقى على رفّ المكتبة لا تعمل أي يد على تحريكه إلا لنفض الغبار عنه.
لقد بعدت المسافة بين القارئ والكتاب، وأصبح تفكير الفرد في مجتمعنا متعلق بالأنظمة الإلكترونية الحديثة، جوالات وحواسيب وآيبادات، وبرامج حديثة، ولكننا نذهب ونذهب ومشكلتنا الأساس في القراءة والكتابة؛ فمهما صرنا أذكياء في عالم التكنولوجيا فإن ذلك لن يغير شيئا إذا كنا غير قادرين رسالة نصية أو بالواتس أب؛ وما جدوى أن أستخدم البلاك بيري مثلا وأنا لا أستطيع أن أكتب رسالة فيه أو يستطيع أصدقائي قراءة ما أكتب. هذا واقع، يقول أحدهم: أنه يتواصل مع أصدقائه في كل أموره بالاتصال؛ وذلك لأن أصدقاءه لا يجيدون قراءة الرسائل ما لو أرسل لهم مع أنهم قد أنهوا دراسة دبلوم الشهادة العامة. أقول ذلك لأننا منذ الصغر بعيدون عن العالم القرائي والكتابي، لم تتعود ألسنتنا وعقولنا على قراءة المفردات... نحتاج أن نجعل الكتاب قريبا منا، قريبا من أبنائنا، أينما اتجهنا نجد الكتاب رفيقنا، في أماكن الانتظار، وحقائبنا، وسياراتنا.
في بادرة رائعة من إحدى الدول الخليجية وعندما أرادت أن تقرّب الفرد في المجتمع من الكتاب، جعلوه [الكتاب] يلحق بالفرد حتى في أماكن تسوقه، حيث تم افتتاح مكتبة عامة تتبع وزارة الثقافة في أحد المولات الكبيرة، فإذا كان أبناؤك يتسوقون ولديك متسع من الوقت وليست لديك الرغبة في التسوق فيمكنك قضاء وقتك بين صفحات الكتاب، وإن كنتَ تشكو من بُعْد المكتبات العامة أو شحّها فها هي المكتبة تتبعك حتى في مكان تسوقك.
لقد شدني الفضول للدخول إلى المكتبة لأرى أي كتب سأجد، إنها مكتبة متنوعة في مختلف المجالات والعلوم، وبها ركن خاص لكتب الأطفال ومقاعد خاصة للأطفال. والجميل أن هناك من يبحث عن المعلومة ويدوّن ويقرأ من مختلف الجنسيات. أقول وبكل صراحة كم تمنيت أن أجد مثل هذه المكتبة في مراكز تسوقنا وبدعم من مؤسساتنا الحكومية على الأقل إن لم ندخل المركز للتسوق سندخل لنبحث عن كتاب... تنقصنا المكتبات العامة التي تضم كتبا متنوعة لا كتبا لا تريدها جهة معينة وتقرر التخلص منها برميها في مكتبات الأندية التي لا يدخلها أحد. نحتاج أن نعيد نظرتنا للكتاب ونجعله قريبا من المجتمع، نعيد صياغة وبلورة الاهتمام الفكري والثقافي لأننا يوما بعد يوم ننزلق إلى أسفل السافلين فقط لأن عقول وتفكير أبنائنا أصبح ضحلا ضحلا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق